تسالونيكي: تاريخ ورسالة

مقدّمة في مدينة تسالونيكي

تدعى حاليًا تسالونيك، كانت عاصمة إحدى مقاطعات مكدونية باليونان، كان اسمها أولًا ثرما Therma ، معناها " ينبوع ساخن ".
أعاد إنشاءها كاسندر الأول بن انتيباتير عام ٣١٥ ق.م.، وجعلها مقرًا لكرسيه، دعاها على اسم زوجته ابنة فيليب المقدوني وأخت إسكندر الأكبر (ليست شقيقته)، أي تسالونيكي وفي العصر الروماني كانت عاصمة للولاية الجديدة في ذلك الحين، وكان تعدادها حوالي ٢٠٠٠٠٠ نسمة.

كان لتسالونيكي أهميّة عظمى بسبب موقعها الجغرافي على الطريق الإغريقي، وهو طريق عسكري ضخم يربط روما بالشرق، وبكونها ميناء، قد أُعدّ كمحطّة بحرية مجهّزة بأحواض للسفن الرومانية، وكان يحكمها خمسة أو ستة من البوليسترخس، أي "حكام المدينة" (أع 17: 6).

بكونها مركزًا تجاريًا هامًا اجتذبت تسالونيكي الكثير من أثرياء الرومان وعددًا ليس بقليل من تجّار اليهود (أع 17: 4)، فكان فيها مجمع. كما اشتهرت بالشر والخلاعة. لهذا التزم الرسول بولس بالحديث عن الحياة الطاهرة (1 تس 4: 1-8)


قبولها الإيمان

st-paul زار الرسول بولس تسالونيكى للمرة الأولى في رحلته الثانية حوالي سنة 52 م. وكان بصحبته سلوانس وتيموثاوس (أع 17: 1-10).
وقد جاء إليها بعد طرده من فيلبى، وقد اتجه كعادته إلى اليهود يحاججهم في مجمعهم موضحًا ومبينًا أنّه كان ينبغي أن المسيح يتالم ويقوم من الأموات، وأن هذا هو المسيح يسوع الذي أنا انادي لكم به.

وجذب بعض من اليهود واليونانيين ومن النساء المتقدّمات، أو اللواتي كنّ من الطبقات الراقية ومن الكريمات. هؤلاء صاروا نواة الكنيسة المسيحية بتسالونيكي.

عانى بولس مشاكل في هذه المدينة، فكتب إلى أهل فيلبي يقول: " فإنّكم في تسالونيكي أيضًا أرسلتم إليَّ مرة ومرتين لحاجتي" (في ٤: ١٦).

هذا يكشف عن عدم اعتماده على أهل تسالونيكي ماليًّا، كما استشّف البعض من هذه العبارة أن الرسول بقي هناك فترة أطول من ثلاثة أسابيع، خاصة ما ورد في (1 تس 2: 7-11) عن الجهد الذي بذله في خدمتهم، والرعاية والسهر ليل نهار من أجلهم، فقدّر البعض مدة بقائه فيها بستة شهور، بينما يرى آخرون أنها لم تزد عن شهر واحد.

 

الرسائل الموجّهة إلى تسالونيكي: كتب بولس الرسول رسالتين إلى أهل تسالونيكي.

الرسالة الاولى:

تاريخ كتابتها

غالبًا قرب نهاية عام 52 م. أو في بداية عام 53 م، أيّ بعد خدمته في تسالونيكي بفترة قصيرة جدًا، كتبها إليهم وهو في كورنثوس

إذ نجحت خدمة الرسولين بولس وسيلا هناك بين اليهود في فترة وجيزة "غار اليهود من المؤمنين واتّخذوا رجالًا أشرارًا من أهل السوق وتجمّعوا وقاموا على بيت ياسون طالبين أن يحضروهما إلى الشعب" (أع 17: 5-7)
وكانت التهمة أن هؤلاء "الذين فتنوا المسكونة"، أيّ هم من المشاغبين الذين ينادون بملك آخر غير قيصر" أنّه يوجد ملك آخر يسوع "، وكانت هذه التهمة هي من أخطر التهم.
 
ولما لم يجدوهما جروا ياسون وأناسًا من الإخوة الى حكّام المدينة صارخين أن هؤلاء الذين فتنوا المسكونة حضروا إلى ههنا ايضًا.

فازعجوا الجمع وحكام المدينة اذ سمعوا هذا. وأخذوا كفالة من ياسون ومن الباقين ثم اطلقوهم.

ترك الرسولان تسالونيكي وأنطلقا إلى بيريه، وقد إلتزما أيضًا بترك بيريه بسبب مقاومة اليهود الذين تتبّعوا آثارهم، فذهب بولس إلى أثينا (أع 17: 15)، ومنها إلى كورنثوس (أع ١٨: ١)

وكما هاج اليهود على إخوتهم الذين آمنوا، هكذا هاج أيضًا الأمم على إخوتهم من الأمم الذين قبلوا الإيمان بالسيّد المسيح. 
لقد عانت الكنيسة الكثير من الضيق من اليهود كما من الأمم، وقد اشتدت الضيقة جدًا وتوقّع المؤمنون عودة الرسول لمساندتهم، لكنّه أرسل إليهم تلميذه تيموثاوس لتثبيتهم على الإيمان، الأمر الذي دفع بعض المغرضين إلى التشكّك في أبوته، فاضطر أن يكتب إليهم ليعلن لهم أشواقه القلبية نحوهم ورغبته في الحضور إليهم معلنًا لهم صدق أبوته.

ومن أهم النقاط التي عالجها:

1-      تثبيتهم على الإيمان ومدحهم على ثباتهم في الإيمان، إذ أخبره تيموثاوس بصبرهم على الاضطهاد بل هم في وسط هذا الاضطهاد يذيعون الإنجيل (1: 8).

2-      تاكيد محبّته وخاصة انّه هناك بعض المؤمنين شكك في محبّته وأبوته، فأرسل لهم ليعلن لهم أشواقه وأنّه يود لو أتى إليهم معلنًا صدق أبوته ولكنّه التزم أمام ياسون (2: 17-20) وراجع (أع17: 9).

3-      سحب قلب الكنيسة من الارتباك في الأحداث الأليمة التي كانت تعيش فيها إلى الفرح الروحي الداخلي من أجل عمل نعمة الله فيهم. ولكي يسندهم وسط آلامهم المُرَّة، تحدّث عن القيامة من الأموات، وقرب مجيء الرّب الأخير، فتستريح نفوسهم بتمتّعهم بالأحضان الأبويّة، مشجّعًا إياهم على الجهاد الروحي لينالوا الإكليل السماوي (13:4). 

4-      إجابتهم على سؤال عن موتاهم وشهدائهم، ومصيرهم حين يأتي المسيح وهل سيكون للموتى نصيب مثل الأحياء مع المسيح عند مجيئه. وواضح أنه كان ينقصهم تثبيت في بعض النقاط الإيمانية (14:4-17).

5-      الطلب منهم أن يعملوا ويشتغلوا بأيديهم فلا مجال للتراخي، وربما اعتمد البعض على أن المسيح آتٍ فلا داع للعمل. 

حقاٌ ما أحوج المؤمن ألا يرتبك بالضيقات، سواء النابعة عن إغراءات العالم وضيقاته، أو متاعب الجسد وحرب الشيطان، ليحيا بقوّة الروح، عاملاٌ لحساب ملكوت السماوات في حياته الداخلية كما في حياة الآخرين.

 

الرسالة الثانية:


jeكتب الرسالة بعد شهور من كتابة الرسالة الأولى، أيّ حوالي منتصف عام 53 م. وكتبها من كورنثوس، وكان تيموثاوس وسيلا ما زالا معه.

يظهر أن الغاية منها هو إيضاح بعض عبارات مهمّة وردت في الرسالة الأولى خشي الرسول من تأويلها على غير ما يقصد بها، وتحذيرًا للكنيسة التسالونيكية من الرسالة المزوّرة باسم بولس.

ولما كانت كنيسة تسالونيكي قد توهّمت من الرسالة الأولى أن يقوم الرّب كان قريبًا جدًا، بيّن لهم الرسول في الرسالة الثانية أن مجيء الرّب سيكون بعد الارتداد، وأن سرّ الإثم سيعمل أولًا إلى إلى أن يأتي الرّب ليبيد الاثيم " الذي مجيئه بعمل الشيطان بكلّ قوّة وبآيات. وعجائب كاذبة وبكلّ خديعة الإثم "، ثم يوصيهم الرسول أن يثبتوا في الإيمان والمحبة وأن يتجنبوا جميع الذين يسلكون "بلا ترتيب وليس حسب التعليم المعطى لهم".

هذه الرسالة مشهورة بنبوءة لبولس الرسول، إذ أوحي له الروح القدس عن قيام حركة إرتداد عنيفة للغاية وهذه ستكون أمَّر مما تعانيه الكنيسة في عصره، وفيها يتجسم الشيطان في شخص إبن الهلاك إو إنسان الخطية الذي يقاوم مملكة السيد المسيح في أواخر الدهور. ويعتبر ظهور هذا الشخص وهذه الضيقة علامة علي إقتراب ظهور المسيح في مجيئه الثاني. وهذه الحركة ستسبق مجئ المسيح الثاني مباشرة. 


أهم نقاطها:

1-      أن يعيشوا حياتهم بطريقة طبيعية، ويعملوا أعمالهم بلا تشويش.

2-      أعطاهم علامة على أن الرسائل الصادرة منه شخصياً تنتهي بالسلام الذي يكتبه في آخر كل رسالة بيده (2تس3: 17). وخط الرسول كان مميزًا، فهو يكتب بأحرف كبيرة بسبب ضعف نظره. لذلك كان يملى رسائله على آخرين ليكتبونها.

3-       إذ كانت الكنيسة لا تزال تحت الضيق كتب إليهم بأسلوب أبوي يشجّعهم على احتمال الألم، ويوّضح السلوك اللائق بهم كأولاد الله.

4-      نفهم من كلام بولس أنّه من الخطأ تحديد موعد للمجيء الثاني، ولكن ليس من الخطأ فهم العلامات للاستعداد. وعلينا أن نكون مستعدّين دائمًا.