كلمة البطريرك يوحنا العاشر في الحفل التأبيني…

2014-05-05

قداسة البطريرك،

أيها الأحبة،

ها نحن نقيم في هذا اليوم ذكرى البطريرك زكا، وهذه الذكرى تحكي قصة هذا الرجل الطيب الذي يجسد في شخصه كل التراث السرياني ويحمل في قلبه تلك الصلاة الوادعة من أجل مسيحيي أنطاكية ومن أجل العالم كله.

لسنا هنا لنعدد خصال البطريرك الراحل، فأفعاله تحكي وإنجازات حبريّته أبلغ من كل كلام. ودعناه قبل أربعين يوماً وداعاً اتحدت فيه السماء والأرض وامتزجت فيه صلوات الإخوة من كل الكنائس وحضر فيه بالجسد وبالروح كل من اتشح باسم المسيح في أنطاكية وفي غيرها. وكل هذا يؤهلنا أن نقول أن البطريرك زكا كان أيقونةً أنطاكيةً رصّع بها الرب القدير أختنا الكنيسة السريانية، فالتمعت ضياءً ونوراً على المشرق وعلى كل البسيطة.

ودعتك قبل أربعين يوماً سوريا التي أحببت وناسُها الطيبون الذين من أديم أرضهم خرجتْ أجراس الكنائس وأصوات المساجد في إلفة عيشٍ ووحدةِ حالٍ تسبح ساكن السماء. ودعتك سوريا التي عشقتها ملتقىً للحرف ورحماً للحضارات، التي انعجنتْ في ترابها وأفاحتْ شذاها للدنيا. ودعتك الكنيسة السريانية التي دمغتَ مسيرة تاريخها بإنجازاتٍ شتى وبعمران للبشر وللحجر. وأنت الآن من علاك تصلي من أجل الناس اللذين أحببت ومن أجل الأرض التي عشقت.

نحن أناسٌ قياميون، نؤمن أن النفس لا تموت بل تنتظر استعلان مجد الرب في اليوم الأخير. نحن نذكر دوماً ساعة الموت ونتحضر لها. نحن لا نهاب الموت، لأن موت المسيح جددنا ولأن قيامته باكورةٌ لقيامة كلٍّ منا.

أذكُر يا سيدنا زكا، كيف ودعتك الكنيسة السريانية قبل أربعين يوماً. وهذا الطقس يجلو لنا جميعاً أنك قطعةٌ وحجرٌ من بنيانها، أنك جسرٌ يجمع مذبحها ومؤمنيها وشيبها وشبابها. أذكر جيداً كيف مس نعشك كل زاويةٍ من زواياها في حركةٍ تحمل في طياتها الكثير. وكأن الراقد يحمل هنا كل شجون وأفراح شعبه إلى الرب الإله مودّعاً هذا الشعب معانقاً إياه ومودعاً المسيح الإله تلك الرعية التي ائتمنه هو عليها.

وها نحن وقد ودعناك يا سيدنا على رجاء القيامة نعبر في هذه الأيام فصحَيْن مقدّسَيْن وغصات الألم جاثمةٌ فوق قلوبنا. عبرنا منذ برهةٍ في فصح قيامة الرب. وعبرنا وعبرت الكنيسة السريانية فصحاً آخر بانتخاب أخينا غبطة البطريرك مار إغناطيوس إفرام الثاني كريم. لكن فرح القيامة لم يكتمل بعد بعودة السلام إلى سوريا وإلى المشرق الذي أحببت، ورهجة الفصح يقطعها صوت القلاقل والشوق لسلام الرب والتوق للقيا المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنا وبولس.

قل للمخلص أن يمسح سوريا بمنديل رحمته ويستأصل بمبضع خيريته كل ما ينافي صوت السلام في ديارنا. سله بشفاعة العذراء القديسة أن يملأ قوارير نفوسنا بزيت عزائه الإلهي ويسمر على صليب مجده كل محنة معذبٍ في الأرض. أطلب منه ومن محفل قديسيه الأبرار أن يسمعنا صوته القيامي الجديد: "سلامي لكم، سلامي أعطيكم". قل له، يا سيدنا، أننا سئمنا لغة التكفير والترهيب. قل له وهو الناهض من القبر والملحد الخطيئة فيه، أن ينهض الإنسانية من برقع الغرور والتواني ويلحد فيها شهوة الجنوح إلى الباطل. سله وهو نبع السلام أن يدفق جداول سلامه على سوريا وعلى المشرق وأن يكتنف لبنان والعالم كله في ظل حمايته الإلهية. سله وهو البارئ لكل نسمة أن ينفخ في خليقته نسمة السلام ويسكت فيها طبول الحروب، وينفح نفوسنا بسلامٍ قياميٍّ لنرنم بكل كياننا:

"المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور".

رحمك الله وأعطانا بركة صلواتك، آمين.