عبيد بطّالون
”متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا: إنّنا عبيد بطالون. لأنّنا إنّما عملنا ما كان يجب علينا“ (لوقا ١٠:١٧).
أتت هذه الآية على لسان الربّ يسوع المسيح بعد تنبيهه لتلاميذه من العثرات، وتعليمهم أن يغفروا لمن أساء إليهم بلا حساب. وعندما وعوا صعوبة الأمر طلبوا منه: ”زد إيماننا“، فكلّمهم على أهميّة الإيمان وقوّته.
وأكمل كلامه بمثلٍ حول عبد وخدمة وأمانة، وبعدها توجّه بالآية هذه إلى التلاميذ.
كلّ هذا المسار ليؤكّد الخلاص الذي يعطينا إيّاه، وأهميّة الالتصاق به وحفظ وصاياه والعمل بها.
صحيح أن الكلمة المستعملة في الآية هي عبد، ولكن بمعنى الخادم الأمين الوفي وليس بمعنى استعباد وقمع حريّات وإذلال. فهو يريد خلاصنا.
الربّ يسوع جعلنا أبناء له بالتبنّي وأحبّاءه، وبالتالي هو الوالد والحريص على خلاصنا، وقد أكّد لنا ذلك في أكثر من مناسبة.
”وأمّا كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه“ (يوحنا١٢:١).
كذلك ”أنتم أحبّائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيّده، لكنّي قد سمّيتكم أحباء لأنّي أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي“ (يوحنا١٤:١٥-١٥).
أجمل صلاة علّمنا إياها الربّ أن نقول ”أبانا الذي في السموات”، ونحن نردّدها في كلّ صلواتنا.
ولكن حذار أن ننتفخ من هذه البنوة، ومثالنا الوحيد على ذلك ما تمّمه الربّ بنفسه، "أي لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنّه أخلى نفسه أخذًا صورة عبد …" (فيليبي٧:٢).
هذا المسار الخلاصي لا يمكن أن يتم إلّا بالاتّضاع الأقصى.
فنحن نتمّم ما طلبه الله منّا بتواضع لا مثيل له، ومكافأتنا غفران خطايانا بعد أن نغفر لمن أساء إلينا، عندها نعلو بالمحبّة والصفاء والنقاوة.
ومثل العبد الأمين الذي يقيمه سيّده على كلّ أعماله عندما يرجع رب البيت على غفلة، هو خير شرح وجواب. (متى ٤٢:٢٤-٤٥).
يقول الكاهن في القدّاس الإلهي في صلاة الأنافورا، وهو يرفع القرابين: ”التي لك، مما لك، نقدّمها لك، عن كلّ شيء ومن أجل كلّ شيء“.
كذلك يؤكّد الكاهن قبل الختم: ”لأن كلّ عطيّة صالحةٍ، وكلّ موهبة هي من العلاء منحدرة، من لَدنك يا أبا الأنوار“.
فحياتنا مع الربّ هي شكر مستمر على كلّ عطاياه الكاملة المجانيّة لنا، وهذا تمامًا ما نراه في المقطع الإنجيلي الذي يلي الآية التي نتناولها هنا، ومحورها شفاء البرص العشرة، والسامريّ الذي خرّ على وجهه عند رجلي الربّ شاكرًا له.
خير من فهم هذه الكلمة ”عبد بطّال“ بولس الرسول وتلميذه تيموثاوس اللذان سميا نفسيهما ”عبدا يسوع المسيح“ (فيليبي١:١)، إذ بولس نفسه قال: ”حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ“ (٢ كو ١٧:٣).