الحفل الخيري لجمعية ألكساندريون

2016-09-29


كلمة البطريرك يوحنا العاشر في الحفل الخيري لجمعية ألكساندريون بخارست، 29 أيلول 2016 أيها الحضور الكريم، نحييكم بسلام الرب يسوع المسيح من أرض أنطاكية أرض المسيحيين الأوائل، ونتوجه بالشكر أولاً إلى غبطة أخينا دانيال بطريرك بخارست وسائر رومانيا الذي دعانا لنكون فيما بين أهلنا في رومانيا والذي نحتفل وإياه غداً بذكرى تنصيبه التاسعة على سدة البطريركية الرومانية. آكسيوس جئناكم من أنطاكية، حيث دعي تلاميذ المسيح "مسيحيين" أوّلاً، ومن دمشق عاصمة الحضارات الإنسانيّة ومهدها، ومن بيروت لبنان من حيث من جبال أرزه يأتي الجمال، لنعبّر عن شكرنا العميق لمجموعة ألكسندريون رومانيا والعاميلن فيها وفي مقدمتهم الدكتور نواف سلامة، الذي نكن له المحبة والتقدير. وإننا لنسعد بهذا اللقاء الطيب الذي يجمع الإخوة معاً. ونبارك المسعى الخيري والثقافي الحضاري الذي تقوم به جمعية ألكساندريون. ونشكر من أعماق القلب هذا التكريم كما نقدر عالياً الدور الثقافي والحضاري الذي تقوم به الجمعية والذي يشمل توثيق التراث البرونكوفياني الذي خلفه القديس قسطنطين برونكوفيانو وعائلته من أديار وقصور وكنائس. كما نشكر أيضاً لجنة التحكيم المشرفة على هذه الجائزة رئيساً وأعضاء ونقدر عالياً الرسالة الحضارية التي تسعى الجمعية إلى ترسيخها وذلك عبر تنشيط الحركة الثقافية، والعلمية، والأدبية، والفنية في رومانيا من خلال منحها لنا هذه الجائزة الدولية. إن حضورنا كمسيحيين مشرقيين أنطاكيين في وسطكم تعزيزٌ وتوطيد للعلاقات الأنطاكية-الرومانية التي بدأت، بحسب الشواهد التاريخيّة، بأبولودوروس الدمشقي Apollodorus of Damascus الذي ربط ضفتي نهر الدانوب بجسره الشهير في حملة الإمبراطور تراجانوس في العامين 105 و 106، واستمرت في رحلات البطاركة الأنطاكيين إلى الإمارات الرومانية مثل مكاريوس الثالث، وأثناسيوس الرابع دبّاس (1720-1724)، وسلفستروس في رحلاته لبخارست وياش Iaşi. إن النهضة الثقافية الحضارية التي كانت تتمتع بها الإمارات الرومانيّة قديمًا كانت محفّزاً لانطلاقة النهضة الثقافية العربية حيث قام القديس أنتيموس الإيفيري، وبناءً على توجيهات الأمير الطيب الذكر قسطنطين برونكوفيانو بطبع أول كتاب باللغة العربية " القداس الإلهي العربي-اليوناني"، في العام 1701، وفي العام 1703 تمت طباعة كتاب السواعي، ثم كتاب المزامير. ولم يتوقف الدعم الثقافي للكرسي الأنطاكي في طبع الكتب الطقسية في الإمارة الرومانية فحسب، بل وقد تمّ إرسال المطبعة بكاملها إلى مدينة حلب حيث استمر طبع الكتب المختلفة من قبل تلامذة القديس أنتيموس الإيفيري. اليوم وفي الظروف الراهنة أمست الثقافة والحضارة الإنسانية على المِحك حيث يدور عالمنا في دوامة حضاريّة متخبّطة بين الإيجابية والسلبية، وأصبح إنساننا متأرجحاً بين التزام القيم الأخلاقية الأصيلة وتلك المصطنعة الناتجة عن الاستخدام السلبي للتطور والنماء الحضاري الإنساني. اليوم الملايين من أطفال العالم يرزحون تحت الفقر والأمية. التشرد، والقهر، والحرمان الذي يشهده أطفالنا، الكم الهائل من ضحايا الإيدز والإدمان على المخدرات يخترق المعدلات التي يمكن لإنسان أن يتوقعها، ناهيك عن المجاعات وانتهاك حقوق البيئة وعدم احترام القرارات والمواثيق الدولية المتعلقة بذلك. نحن اليوم بحاجة لتكاتف جهود الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في الحد من الفقر، وبصورة خاصة فقر الأطفال، مع العمل على توفير الغذاء والتعليم السوي والطبابة لهم. وقد كان لمؤسستكم ألكساندريون دورٌ رائدٌ في هذا الخصوص إذ حافظت على التراث الحضاري والثقافي الروماني، وسعت إلى توفير المُناخ الملائم لتعليم الكثيرين من أطفال قرية برونكوفين، مسقط رأس القديس قسطنطين، وها أنتم تهتمون بالجسم السليم للشباب برعايتكم لهم ولفرقهم الرياضية وأنديتهم الثقافية. وإذ نقول كل هذا من جهة، لا يسعنا اليوم ومن جهة أخرى إلا أن نكون لسان حال إنساننا في الشرق المعذب. نحن هنا لنعلي الصوت من أجل السلام في سوريا التي تتعرض لأخطر أنواع الإرهاب والتكفير والعنف والخطف. نحن هنا لننقل صرخة الثكالى والمهجرين والمخطوفين. منذ خمس سنوات ونيف وسوريا تدفع ثمناً باهظاً من أرواح بنيها. نحن هنا لنقول كفانا إرهاباً وقتلاً وتهجيراً وخطفاً. نحن لا نريد تباكياً من أحد ولا عطفاً يتنامى تهجيراً. رسالتنا إلى الجميع. نحن كمسيحيين لا نريد حماية من أحد. أعطونا السلام في بلادنا لأننا لن نتركها. نحن أبناء وأصحاب أرض وقضية ووجه المسيح لن يغيب عن الشرق. نحن هناك منذ ألفي عام. عشنا مع إخوتنا المسلمين لقرون وقرون وكنا ونبقى وسنبقى معهم على أطيب علاقة. وما يجري في الشرق من ترهيب وخطف واستباحة حرمة المقدسات يطال المسلم والمسيحي ويطال الشيخ والكاهن والمطران على السواء. لقد سئمنا من التشدق بحقوق الإنسان وغيرها واستخدامها كمطيّة لهز مجتمعاتنا والتدخل عنوةً في شؤوننا. لماذا لم تجد حقوق الإنسان طريقها إلى قضية مطراني حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفين أمام أنظار العالم منذ أكثر من ثلاث سنوات؟ يبقى هذا الملف برسم العالم أجمع، وبرسم أصحاب القرار. نحن مزروعون في أرضنا ومؤتمنون على الدفاع عنها ومزمعون أن نبقى ونموت فيها. ومن هنا دعوتنا أيضاً من أجل الحفاظ على استقرار لبنان والعمل الجدي على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يكفل عمل المؤسسات الدستورية. وإذ نكرر شكرنا وامتناننا لكم ولكل المنظمين لهذا الحفل، نسأل الله تعالى أن يمن بالسلام والطمأنينة والخير على الشعب الروماني الطيب وعلى سوريا الجريحة ولبنان العزيز وعلى الشرق والعالم أجمع. وشكراً.