البارة‭ ‬ثيوذورة‭ ‬الإسكندريّة

2015-09-11

البارة‭ ‬ثيوذورة‭ ‬الإسكندريّة‭:‬
هذه‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬القدّيسات‭ ‬لأنّها‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬والتوبة‭ ‬والعشق‭ ‬الإلهيّ‭. ‬ثيوذورة‭ ‬شاهدة‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬خطيئة‭ ‬بلا‭ ‬مغفرة‭ ‬إلّا‭ ‬التي‭ ‬بلا‭ ‬توبة‭.‬‮ ‬ 
عاشت‭ ‬البارة‭ ‬ثيوذورة‭ ‬في‭ ‬الإسكندريّة‭ ‬في‭ ‬أيّام‭ ‬الإمبراطور‭ ‬البيزنطي‭ ‬زينون‭ (‬474‭ ‬–491‭). ‬

ثيوذورة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬الخطيئة‭:‬
يبدو‭ ‬أنّها‭ ‬كانت‭ ‬بارعة‭ ‬الجمال،‭ ‬فاغترت‭ ‬بنفسها،‭ ‬ومع‭ ‬أنّها‭ ‬تزوّجت‭ ‬من‭ ‬شاب‭ ‬ورع‭ ‬اسمه‭ ‬بفنوتيوس،‭ ‬فإن‭ ‬نفسها‭ ‬كانت‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الغواية‭ ‬ولفت‭ ‬الأنظار‭. ‬تعلّق‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬الشبّان‭ ‬وراح‭ ‬يلاحقها‭ ‬بإصرار،‭ ‬وهي‭ ‬تمانعه‭ ‬ولا‭ ‬تمانعه‭ ‬حتى‭ ‬ظفر‭ ‬بها،‭ ‬فسقطت‭ ‬ثيوذورة‭ ‬في‭ ‬مهاوي‭ ‬الخطيئة‭ ‬والزنى‭.‬theodora1

ثيوذورة‭ ‬تستيقظ‭ ‬وتترهّب‭ ‬بزيّ‭ ‬رجل‭:‬
وما‭ ‬أن‭ ‬استفاقت‭ ‬من‭ ‬دوار‭ ‬الشهوة‭ ‬وبانت‭ ‬الحقيقة‭ ‬لناظريها‭ ‬جليّة،‭ ‬حتى‭ ‬استبد‭ ‬بها‭ ‬شعور‭ ‬بالذنب‭ ‬عظيم،‭ ‬وكادت‭ ‬تستسلم‭ ‬لليأس‭ ‬وتقتل‭ ‬نفسها‭ ‬لولا‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬وإيمانها‭ ‬بالرّب‭ ‬يسوع.
فقامت،‭ ‬للحال،‭ ‬وتزيّنت‭ ‬بزيّ‭ ‬الرجال،‭ ‬وقصّت‭ ‬شعرها،‭ ‬وشوّهت‭ ‬وجهها،‭ ‬وخرجت‭ ‬تطلب‭ ‬التكفير‭ ‬عن‭ ‬ذنبها‭.‬‮ ‬
طرقت‭ ‬باب‭ ‬دير‭ ‬للرجال‭ ‬في‭ ‬الجوار،‭ ‬وطلبت‭ ‬أن‭ ‬يقبلوها‭ ‬كطالب‭ ‬رهبنة،‭ ‬فظنّها‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬خصيًا‭ ‬جاء‭ ‬يلتمس‭ ‬التوبة،‭ ‬فقبلها‭ ‬وألبسها‭ ‬ثوب‭ ‬الرهبان،‭ ‬فصارت‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬ثيوذوروس‭.‬‮ ‬

قضت‭ ‬ثيوذورة‭ ‬في‭ ‬الدير‭ ‬سنتين‭ ‬كانت‭ ‬خلالهما‭ ‬راهبًا‭ ‬مثاليًّا،‭ ‬تقبل‭ ‬بفرح‭ ‬أحط‭ ‬الأشغال‭ ‬التي‭ ‬تعيّن‭ ‬لها،‭ ‬وتستغرق‭ ‬في‭ ‬الأتعاب‭ ‬والأصوام‭ ‬والأسهار‭ ‬والصلوات‭ ‬والدموع.
لا‭ ‬تثني‭ ‬عن‭ ‬استعطاف‭ ‬الله‭ ‬بطلباتها،‭ ‬تلاشي‭ ‬الأهواء‭ ‬بالنسك،‭ ‬وتقمع‭ ‬اللذّات‭ ‬بمواصلة‭ ‬الابتهال.

ثيوذورة‭ ‬تُتّهم‭ ‬ظلمًا‭ ‬وتُطرد‭ ‬من‭ ‬الدير‭:‬
كلّ‭ ‬هذا‭ ‬جعلها‭ ‬موضع‭ ‬إعجاب‭ ‬الأخوة‭ ‬وإكبارهم‭.‬‮ ‬وتحرّك‭ ‬حسد‭ ‬الشيطان‭ ‬منها،‭ ‬فسلّط‭ ‬عليها،‭ ‬بسماح‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬امرأة‭ ‬سيئة‭ ‬السيرة‭ ‬ادّعت‭ ‬أن‭ ‬الراهب‭ ‬ثيوذوروس‭ ‬أوقع‭ ‬بها،‭ ‬وإنّها‭ ‬حملت‭ ‬منه‭. ‬

وما‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬الخبر‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬حتى‭ ‬طردها‭ ‬فخرجت‭ ‬إلى‭ ‬كوخ‭ ‬في‭ ‬الجوار‭. ‬ويقال‭ ‬إنّها‭ ‬أخذت‭ ‬معها‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬اتهمت‭ ‬بأنّها‭ ‬والده‭. ‬

في‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬فم‭ ‬ثيوذورة‭ ‬تدافع‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬لأنّها‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سمح‭ ‬بذلك‭ ‬تكفيرًا‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬خطاياها‭.‬‮ ‬

بقيت‭ ‬ثيوذورة‭ ‬منفيّة‭ ‬عن‭ ‬الدير‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬تجاهد‭ ‬جهاد‭ ‬الشهداء‭. ‬تحتمل‭ ‬برد‭ ‬الشتاء‭ ‬القارص‭ ‬وحرّ‭ ‬الصيف‭ ‬اللاهب،‭ ‬تسلك‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الفقر،‭ ‬وتواجه،‭ ‬ببأس،‭ ‬حيل‭ ‬العد.
كم‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬تراءى‭ ‬لها‭ ‬زوجها‭ ‬يبحث‭ ‬عنها‭ ‬ممزّق‭ ‬القلب‭ ‬ملهوفًا،‭ ‬وحاول‭ ‬الشيطان‭ ‬أن‭ ‬يحرّك‭ ‬عواطفها‭ ‬لتذهب‭ ‬إليه‭ ‬رحمةً‭ ‬به‭ ‬ورأفة.
كم‭ ‬من‭ ‬مرّة‭ ‬صوّر‭ ‬لها‭ ‬الشيطان‭ ‬حياة‭ ‬النعيم‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬بجانب‭ ‬زوجها،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يكرّهها،‭ ‬بالمقابل،‭ ‬حياة‭ ‬النسك‭ ‬المرّة‭! ‬كم‭ ‬من‭ ‬مرّة‭ ‬حاول‭ ‬الشيطان‭ ‬أن‭ ‬يقنعها‭ ‬بأنها‭ ‬لم‭ ‬ترتكب‭ ‬خطيئة‭ ‬لأن‭ ‬كلّ‭ ‬الناس‭ ‬يعيشون‭ ‬هكذ. ‬

كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وغيره‭ ‬الكثير،‭ ‬قاومته‭ ‬ثيوذورة،‭ ‬بعنف،‭ ‬وحتى‭ ‬الأخير،‭ ‬فيما‭ ‬راحت‭ ‬تنشئ‭ ‬ولدها‭ ‬المزعوم‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الفضيلة‭ ‬وكأنّه‭ ‬عطية‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬وأمانة‭.‬‮ ‬


ثيوذورة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭:‬
ثم‭ ‬بعد‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬سمح‭ ‬لها‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬بأن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬وانفراد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكرت‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬لأنّها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الخلوة‭.‬‮ ‬
ضاعفت‭ ‬ثيوذورة‭ ‬أسهارها‭ ‬وأصوامها‭ ‬وصلواتها‭ ‬مبديةً‭ ‬طاعة‭ ‬وصبرًا‭ ‬عجيبين.
استمرّت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سنتين‭ ‬ثم‭ ‬رقدت‭ ‬في‭ ‬الرّب‭.‬‮ ‬وأقبل‭ ‬الرهبان‭ ‬ليصلّوا‭ ‬على‭ ‬أخيهم‭ ‬ثيوذوروس‭ ‬ويدفنوه،‭ ‬فاكتشفوا‭ ‬أنّه‭ ‬امرأة‭. ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬عرفوا‭ ‬مقدار‭ ‬قداستها‭ ‬وعظمة‭ ‬جهادها‭.‬‮ ‬

انتشر‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مكان‭ ‬أن‭ ‬راهبًا‭ ‬اسمه‭ ‬ثيوذوروس‭ ‬توفي‭ ‬وأنّه‭ ‬كان‭ ‬امرأة‭ ‬لا‭ ‬رجلاً.

سمع‭ ‬بفنوتيوس‭ ‬بذلك‭ ‬وتحرّك‭ ‬قلبه‭ ‬فأسرع‭ ‬إلى‭ ‬الدير،‭ ‬وإذا‭ ‬به‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬ثيودوروس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سوى‭ ‬ثيودورة‭ ‬حبيبته‭ ‬وزوجته‭. ‬بكى‭ ‬بفنوتيوس‭ ‬طويلاً‭. ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬أن‭ ‬يقبله‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬رهبانه،‭ ‬فكان‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬أراد.


ويقال‭ ‬إنّه‭ ‬أقام‭ ‬في‭ ‬قلاية‭ ‬الراهب‭ ‬ثيوذوروس‭ ،‬ثيوذورة‭ ،‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رقد،‭ ‬في‭ ‬الرّب،‭ ‬رقود‭ ‬الأبرار‭ ‬القدّيسين‭.‬