نحنُ مدعوّونَ أن نصيرَ عظماءَ باللهِ



2013-02-17

القداس الاحتفالي في كنيسة القديس نيقولاوس - الأشرفية - بيروت

كلمة صاحب الغبطة
يوحنا العاشر
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق


أبنائي وأحبائي،
Beirut اسمحوا لي أن أفتَتحَ كلمتي بهذهِ الآيَة:
"المجدُ لله في العُلى وعلى الأرضِ السَّلامُ وفي الناسِ المسرّةُ" (لو2: 14). إنها البشرى التي انحدرتْ علينا من السماءِ.

نعمْ أيها الأحباءُ،

أجيئُكُم اليومَ وقلبيَ إليكمْ وَهوَ يلامِسُ قلوبَكمْ الَّتيْ السّيدُ ساكِنُها، جِئْتُكمْ إلى لبْنانَ، إلى بيروتَ الجميلةِ بعدَ حَفْلِ التنْصيبِ. أـنا آتٍ إليكُمْ منْ دِمَشقَ، منْ حيثُ اهتدى بولسُ الرسولُ إلى المسيحيَّةِ وانطلقَ مِنْها إلى سائرِ أنحاءِ العالمِ. أنا آتٍ منْ أنطاكيةَ العُظمى لترسيخِ كلِّ ما هوَ حقٌّ وعظيمٌ في حياةِ الإنسانِ. جئتُكُم اليومَ إلى بيروتَ، قلبِ لبنانَ، البَلدِ الحبيبِ، والّذيْ يُشتَقُّ اسمُه من البَياضِ، عَسى أن يدومَ البياضُ صُنواً للبْنانَ من خلالِ بياضِ القُلوبِ، وصَفاءِ النُّفوسِ، حتَّى يبْقى لُبنانُ، بأرزِه الشامِخِ، كما عَهِدنَاهُ خَميْراً للعيشِ المُشتَركِ، للمحبَّةِ ولكلِّ ما هو خيرٌ وحقٌّ.

لذلِك، يسُرُّنيْ أنْ أتوجَّهَ اليوْمَ إلىْ محبَّتِكُمْ جميعاً منْ هذهِ الكنيسَةِ الشَّريفَةِ في بيروتَ، باسمِ الكنيسةِ الأنطاكيةِ الأرثوذكسيةِ المشرقيةِ التيْ سمحَ اللهُ أنْ أتولَّى قيادَتَها بإلهامٍ منْ روحِهِ القدُّوسِ، لأنقُلَ لكمْ باسميَ وباسمِ إخوتي أعضاءِ المجْمعِ الأنطاكيِّ المقدَّسِ الذينَ أولَونيْ ثقَتَهمْ، هواجِسَنا وتوجُّهاتِنا انطلاقاً منَ الشِّعارِ الذيْ اخترتُهُ لولايتي السدَّةَ البطريركيةَ، ألا وَهوَ: "بالنّعمةِ ننموْ، وبالخدمةِ نسموْ، وبالمحبَّةِ يتناسقُ البنيانُ".

ولكنْ، بادئَ ذيْ بَدْءٍ، اسمحوا ليْ أنْ أعبِّرَ منْ أعماقِ قلبيَ عنْ شكريَ لفخامةِ رئيسِ الجُمهوريةِ اللبنانيةِ العمادِ ميشال سليمان، على المحبّةِ التي رعانا فيها في هذه الفترةِ، وإنني أقدِّر لَهُ ولكلِّ الجهاتِ الرسميَّةِ المعنيَّةِ الجهودَ التي بذلُوها والتي تجعلُنا نفخرُ بأنَّنا جزءٌ منْ هذا النسيجِ اللّبنانيِّ المميَّزِ.

أمّا أنتَ، أيها الحبيبُ، سيادةُ الميتروبوليتِ الياس ملاكُ أبرشيةِ بيروتَ المحروسةِ باللهِ، لا يَسعُني أوّلاً، إلّا أنْ أتوجّهَ إلى محبّتِكَ بِمشاعري القلبيّةِ الأَخويَّةِ الطّيبةِ، على المحبةِ التيْ تكتَنفُ بها مُناسباتٍ كَهذهِ، نُعبِّرُ فيها عَنْ وَحْدتِنا فيْ المَسيحِ، وعن روحِ الخدمةِ التيْ تجمَعُنا وتُحرِّكُنا. يَهمُّني أنْ أثمِّنَ الجُهودَ التي تبذُلها في رعايةِ المؤمنينَ في هذه الأبرشيةِ مشدِّداً عزْمَ أولادِك ليبْقَوا على أصالة إيمانِهِم غيرَ محابيْنَ للوجوهِ، مُحسِناً انتقاءَ الرّعاةِ الذينَ تأتَمِنُهُمْ على شُؤونِ المؤمنين وداعماً إياهُم في عمَلهِمْ وفي تضْحياتِهِمْ، مُنَمِّياً المؤسّساتِ الاجتماعيّةَ والصحيّةَ والتربويّةَ خِدمةً للمجتمَعِ بأسرِهِ. كما أُقدِّرُ أيَّما تقديرٍ جُرْأَتَكَ ومُثابَرتَك في تأديَةِ دورِكَ الخاصّ لجهةِ حثِّ الأرثوذكسِ على تعميقِ التزامِهم الأخلاقيِّ بقضايا وطَنِهم ومجتمعِهم، وتعزيزِ علاقاتِ التفاعلِ والتَّعاضدِ بينَهمْ وبينَ سائرِ اللّبنانيينَ. وإنْ دلَّ ذلكَ على شيءٍ، فإنَّما على وضوحِ رؤيَتِكَ حولَ دورِ الكنيسةِ كشاهدةٍ لربِّها في هذا العالَمِ، وكخادمةٍ للفقراءِ والمساكينِ فيهِ. ألا أطالَ اللهُ بعُمْرِكَ، أيها الأخُ العزيزُ وأعطاكَ أن تبقى في كنيستِنا الأبَ والراعيَ إلى سنينَ عديدةٍ.

نعم، أيها الأحبّاُء، نحن مدركونَ أن شهادتَنا ورسالتَنا تقومُ على قولِ الربِّ "أنا لهذا ولدتُ ولهذا أتيتُ لكي أشهدَ للحقِّ" (يو 18: 37)، وأيضاً "ستكونونَ لي شهوداً" (أع 1: 8). وما هذه البشارةُ إلا البشارةُ المُفْرِحَةُ، التي يجدُ الإنسانُ نفسَهُ بها في السَّلامِ والمسرّةِ والمحبةِ. وهذه الشهادةُ لا تكون بالعودةِ إلى القديمِ، ولا بالتَّمسُّكِ بتقليدٍ خارجيٍّ، بل تكونُ في كيفيةِ المشاركَةِ الإنسانيَّةِ في النِّعمةِ الإلهيّةِ، أيْ أنْ نعيشَ تراثَنا وتقليدَنا بطريقةٍ ديناميّةٍ حيّةٍ، فتَستطيعَ الكنيسةُ بواسطتِنا أَنْ تُسمِعَ صوتَها لهذا العصرِ وتَدْخُلَ في حوارٍ بنَّاءٍ معَهُ. وسَيكونُ استعمالُنا للوسائلِ التّقَنيَّةِ الحديثةِ مَدخَلاً  لهذا التّواصلِ كي نوصلَ الإنجيْلَ إلى النَاسِ بشارةَ محبّةٍ، ووئامٍ، ورجاءٍ. نحْنُ كنيسةٌ متأصّلَةٌ في نسيجِ هذا المُجتمعِ المشرقيِّ والعربيِّ، وهي تشكّلُ فيهِ الكُتلةَ المسيحيّةَ الأكبرَ، وعليها إذ ذاكَ واجبُ إظهارِ خصوصيَّتِها ضمنَ هذا التّنوعِ الهائلِ، حتى يتمكَّنَ أبناؤها منْ نقلِ خبرةِ تعايشٍ دامتْ قروناً، مركّزيْن على ما في تراثِهمِ الفكريِّ من انفتاحٍ رافضٍ لكلِّ أنواعِ التّقوقعِ، وما في تراثِهم التاريخيِّ من تواصُلٍ وتعاونٍ.

اليومَ أكثرَ من السابقِ، يرزحُ شخصُ الإنسانِ تحتَ الظّروفِ والمصارَعاتِ والمصالحِ الاقتصاديَّةِ، وقواعِدِ التّجارةِ العالميَّةِ المجحِفةِ، والتّطورِ التّكنولوجيِّ. اليومَ يعامَلُ الإنسانُ Beirut_1 كآلةٍ وليسَ كشخصٍ، وهذا يزيْدُ أتعابَهُ الروحيةَ والنّفسيّةَ ومشاكِلَهُ الأخلاقيَّةَ. نحنُ ننظرُ إلى مؤسّساتِنا كوسيلةٍ وضَعَها اللهُ في تصرّفِنا لنساهمَ في تحسينِ واقعِ الإنسانِ اليومَ وعلى كلِّ صعيدٍ. إنّها جُزءٌ من كَرْمِ الربِّ الذي يقولُ لنا في الإنجيلِ: "يا بُنيَّ اذهب اليومَ واعْملْ فيْ كرميْ" (مت21: 28). هَذا العملُ المُبارَكُ يهدُفُ إلى خدمَةِ شعبِنا المحتاجِ إلى معونةٍ، وشبابِنا الذينَ يسْعَوْنَ إلى بناءِ مستقْبلِهم، وشيوخِنا لكي يقْضُوا حياتَهُم بسلامٍ، وأيتامِنا وذوي الحاجَاتِ الخاصّةِ لكي يَنمُوا في جوٍّ من الحنانِ والعطفِ والاستقرارِ. وكذلكَ، ستكونُ رعايةُ الشبابِ والمرأةِ والأسْرةِ والفقراءِ محطَّ اهتمامٍ أساسٍ في عمَلِنا. فلمؤسَّساتِنا خصوصيةٌ علينا أنْ نُظهرَها بِشكلٍ دائمٍ، فنشدِّدَ على هذا البعْدِ الخادمِ الذي يسْعى إلى بِناءِ الإنسانِ، وإلى الرفْعِ من مستوى حياتِه، وإلى التخفيفِ من أسبابِ قلقِه وإلى إيجادهِ معنىً لوجودِهِ ولحياتِه.

طبعاً لن يقْتَصرَ همُّنا الرعائيُّ على دورِ المؤسّساتِ. فنحنَ واعونَ أهميةَ تطويرِ أساليبِ عملِنا الرعائيِّ فلا تبْقى فئَةٌ من فئاتِ شعبِنا إلَّا وتكونُ محطَّ اهتمامٍ خاصّ. وقد استفَضْتُ بذلكَ في الرِّسالةِ الرعائيَّةِ التي وجَّهتُها اليومَ إلى أبنائِنا في كلِّ أنحاءِ الكرسيِّ الأنطاكيِّ، التي هي خُطوةٌ أوْلى في مِشوارٍ طويلٍ سنمشيْه معاً.

تُظهرِ هذه الرعايةُ مدى الحاجةِ إلى تهيئةِ رعاةٍ غيارى في المحبَّة، سباقينَ إلى الخدمةِ، جديِّينَ وملتزمينَ التزاماً يليق بسموِّ هذا التَّكليفِ الإلهيِّ. لذا نعيْ ما للتنْشئَةِ الكَهَنوتيَّةِ منْ أهميَّةٍ لتستقيمَ هذه الخدمةُ، وما لمعهدِ القديسِ يوحنّا الدمشقيِّ اللاهوتيِّ وجامعةِ البلمندِ من دورٍ رياديٍّ في هذا المجالِ. كما أننا نؤكِّدُ على ما للرهبنةِ من دورٍ فاعلٍ، حيث أن الرهبانَ يسعَونَ حتَّى يصبِحُوا أمثلةً حيّةً للحياةِ في المسيحِ. يذكّرونَ أهلَ العالمِ بمُقتضياتِ هذه الحياةِ ويحمِلُونَهم والعالَمَ في صلواتِهِم المتواصلةِ مقدمينَ إيَّاهُمْ إلى عرشِ اللهِ.

أنْ نكونَ خدّامَاً، هذا ما طلَبَهُ اللهُ منّا وأعطانا المثلَ لمّا غسلَ أرجلَ تلاميذهِ مُشيراً كيفَ يكونُ واحدُنا "الأولَ" ضمنَ جماعةِ المحبَّةِ. كما أوصانا، على حدِّ ما جاءَ في إنجيلِ يوحنَّا، أنْ نكونَ "واحداً" كَما هو والآبُ واحدٌ، عائشينَ حسَبَ وصيةِ السيِّدِ، محافظينَ على قوانينِنَا وأنظمَتِنا وجاعلينَ منْها لا مُجرَّدَ شرائعَ جامدةٍ، بل تعبيراً عَنْ حياةِ الكنيسةِ والتفافِها حولَ سيِّدِها.

أما على صعيدِ حياتِنا الدّاخليةِ، فإنَّ مجمَعَنا الأنطاكيَّ المقدّسَ يشكِّلُ رمزَ الوَحْدةِ الأنطاكيَّةِ وهوُ، مُجتَمِعاً، يسهرُ على أنْ يسيْرَ العملُ في كافّةِ أبرشيَّاتنا "بلياقةٍ وترتيبٍ" وعلى مقدارِ ما يتطلَّبُهُ اللهُ منّا كخدَّامٍ لكلمَتِهِ. لذلِكَ فالمجمعُ المقدَّسُ، بوَحدَتِه، وهوَ كذلكَ، هو مكانُ الشُّورى الأرحبُ، والمكانُ الذيْ يتِمُّ فيْهِ التقاطُ المواهبِ الموزَّعَةِ على المؤمنينَ للاستفادةِ منها إلى أقْصى حدٍّ. يعيشُ المجمعُ المقدَّسُ حقيقةَ محبَّةِ الآباءِ للبنيْنَ بتأمينِ التواصُلِ ضمنَ الحياةِ الكنسيَّةِ، وهو بسبَبِ هذهِ المحبَّةِ التي تجمعُ أعضاءَهُ، يسألُ ويسائِلُ كيْ تستقيمَ كلُّ خدْمةٍ بعيداً عن أيَّةِ معاظمَةٍ أو مُحاباةٍ للوجوهِ. ونحنُ نصلّي كيْ تبقىْ أنطاكيةُ، رُغمَ الآلامِ التي تمرُّ بها اليومَ، شاهِدةً بواسِطةِ أبنائِها كلِّهِمْ، على أصالةِ إيمانِها وعلى تمسُّكِها بفِكرِها التَّجسديِّ.
لَعِبَتْ كَنيسةُ أنطاكيةَ دَورًا بارزًا في التّاريخِ لِتَقريبِ وِجْهاتِ النَّظَر. لذلك، وفي واقعِ الكنائسِ الأرثوذكسيّةِ الحاليّ، سَنَعملُ جاهدِينَ لِيَستَمِرَّ كُرْسِيُّنا الأنطاكيُّ في لَعِبِ دَورِهِ التّاريخيِّ كَجِسْرِ مَحَبَّةٍ وَتَواصُل، حتّى يَسعى الجَميعُ بِرُوحٍ واحدةٍ إلى مَجدِ اللهِ وكنيستِهِ الأرثوذكسيّةِ الواحدةِ، المقدّسةِ، الجامعةِ، الرّسوليّة. وَسَنَدعَمُ في هذا المجالِ كافّةَ الجُهُودِ الّتي تُبذَلُ لِلوُصُولِ إلى "المجمعِ الأرثوذكسيِّ الكبيرِ المُقَدَّس"، الّذي سَيَكُون، إنْ تَحقَّقَ، حَدَثًا تاريخيًّا. ونؤكّدُ على ما لكنيسةِ القسطنطينيّةِ والبطريركيَّة المسكونيّةِ من دورٍ فعَّالٍ وأساسٍ على هذا الصعيدِ.

نحن، كأنطاكيِّينَ، واعُونَ لأَلَمِ الجُرحِ الّذي يُشَكِّلُهُ في جَسَدِ المسيحِ الاِنقسامُ القائمُ بينَ المؤمنين. هذا ما جعلَ الكنيسةَ الأنطاكيّةَ تُشارِكُ، بِمُثابَرَةٍ، في كُلِّ مَسعًى حِوارِيٍّ لِتَخَطِّي الضُّعُفاتِ البَشَرِيَّةِ الّتي تُعِيقُ عَودَةَ الْتِحامِ المسيحيّين. وَسَنَبقى أَمِينِينَ لِهذا الخَطِّ الّذي اتَّبَعَهُ أسْلافِي. مِن هذا القَبِيلِ نَرجو أنْ تُسْتكمَلَ كُلُّ الخُطُواتِ الّتي مِن شَأنِها أنْ تُؤَدِّيَ إلى وَحْدَةٍ أسراريّةٍ كاملةٍ معَ إخوَتِنا في الكنائسِ الشَّرقيّةِ اللاخَلقِيدُونيّة، بِناءً على ما تَمَّ التَّوَصُّلُ إليهِ في Chambésy، كَنتيجةٍ إيجابيّةٍ لِلمسعى الحِواريِّ الطَّويلِ الّذي قامَ بَينَنا. كَما نُؤَكِّدُ في هذه المناسبة، على مُثابَرَتِنا في كُلِّ الحِواراتِ الّتي تَجري بَينَ مُختَلِفِ الكنائس الشرقية منها والغربية، وَعلى العملِ الدّؤوبِ منْ أجلِ إعادةِ اللُّحمةِ بينَها، وأخذِ المبادراتِ النبويّةِ الجريئةِ، لكي يهبَنا اللهُ أنْ نصلَ، في الوقتِ الذيْ يرتئيْهِ، إلى الاشتراكِ في الكأسِ الواحدةِ.

ما نَسُوقُهُ اليَومَ عَن عَلاقَتِنا مَعَ الكنائسِ المسيحيّةِ الأُخرى، يَصُحُّ إلى حَدٍّ كبيرٍ عَنْ علاقاتِنا مَعَ الأديانِ الأُخرى. نحنُ عَبَّرْنا، كَكَنيسةٍ أنطاكيّة، وَمُنذُ قُرُون، عَنْ كَونِنا جماعةً تَقُولُ بِالعيشِ المُشترَكِ وَتَحْياهُ إلى أقصى حَدّ؛ لأنَّ الإنسانَ هُوَ مَحَطُّ اهْتِمامِ الأديان، وَلِهذِهِ أنْ تُغَذِّيَ عِندَهُ التَّوقَ إلى مَحَبّةِ الآخَرِ ولَيسَ فقط إلى قَبُولِه، إلى خِدمةِ الآخَرِ وَلَيسَ فقط إلى أَخْذِ العِلْمِ بِوُجُودِه. من هنا أنَّ كنيستَنا اليوم، كَما في الماضي، تَقولُ بِمُتابَعَةِ مَسيرةِ الحِوارِ مع الجميع، على أساسِ الاِحترامِ المُتَبادَل، وَالمُساواة، والقَبُولِ الرَّحْبِ للآخر. نحن، كَكَنيسةٍ مُتَجَذِّرَةٍ في هذا المَشْرِق، نَنبُذُ الاِنغِلاقَ وأنواعَ التَّقَوقُعِ كافّةً. نحنُ نَقُولُ بالاِنفتاحِ وَالاِشتراكِ معَ إخوتِنا في المُواطَنَةِ بِكُلِّ الهَواجِسِ الّتي تَهُمُّ أَوطانَنا، لأنّ ما يَجمَعُنا كثير.

وَلا بُدَّ هُنا مِنَ التّأكيدِ على أنّ لإِخوَتِنا المُسلِمِين، شُرَكائِنا في المُواطَنَة، مَوقِعًا خاصّاً في قَلْبِنا وَفي فِكرِنا. فَعَلاقَتُنا بِهِم تَتَخطّى مُجَرَّدَ العيش المشترك والمسالم. مَعَهُم نَقتَسِمُ كُلَّ الهُمُومِ الّتي تُرافِقُ نُمُوَّ أَوطانِنا، وَراحةَ الإنسانِ فيها وَطُمَأنِينَتَه. مَعَهُمْ نَبنِي مُستقبلَ أَولادِنا المُشترَك، وَمَعَهُمْ نُجابِهُ الأخطارَ المُحدِقَةَ بِنا. سَنَعمَلُ جاهِدِينَ على نَبْذِ كُلِّ رُوحٍ فِئَوِيَّةٍ أو تَرَفُّعِيَّةٍ مِن شَأنِها أنْ تَضُرَّ بِوُجُودِنا المُشتَرَكِ على هذه الأرض، وَتُقَلِّلَ مِنْ فُرَصِ خِدمَتِنا لَها. كَما سَنَعمَلُ بإخلاصٍ في سبيلِ التَّخَلُّصِ مِنْ جَهْلِ بِعضِنا بَعضًا، عَبْرَ تَقْوِيَةِ سُبُلِ اللقاءِ البَنّاء، طالبِينَ مِنَ اللهِ أنْ يُنعِمَ علينا جَميعًا بِرُوحِ الأُلْفَةِ الّتي تَجمَعُ، لِما فِيهِ خَيرُ إنسانِ هذه البلاد. نعم، أيها الأعزّاءُ المُسْلِمونَ، نحنُ وإيّاكُمْ لَسنا فقط شُركاءَ في الأرضِ وفي المَصيرِ. نحنُ بَنيْنا معاً حضارةَ هذهِ البلادِ، ومُشترِكُونَ في الثّقافةِ والتّاريخِ. لذلكَ يجبُ عَلَينا أن نحفظَ معاً هذه التّركةَ الغاليةَ. كما أَنّنا شُركاءُ أَيضاً في عبادةِ اللهِ الواحدِ الأَحَدِ، الإلهِ الحقيقيِّ، نورِ السمواتِ والأرضِ.

وستكون أُولى الحَلَقاتِ المُجتَمَعِيّةِ الّتي تَهُمُّنا مُباشرةً هِيَ مُجتمعُنا العَرَبِيّ. فنحن هُنا أبناءُ هذا المَشرِق. نحن مُتَجَذِّرُونَ فِيهِ منذُ مَطْلِعِ المسيحيّة. فِيه بَشَّرَ الرُّسُلُ، وَسالَتْ دِماءُ الشُّهَداء، وَعَلَّمَ الآباء. فِيهِ، وَمَعَ غَيرِنا، بَنَينا وَسَنَبني تاريخًا بَشَريًّا مَجِيدًا. انطِلاقًا مِنهُ سَنُساهِمُ في بِناءِ حَضارةٍ عالَمِيّةٍ لا تَتَنَكَّرُ لِلماضي بل تَستفيدُ مِنْ كُنُوزِهِ الثّقافيّةِ لِتُحَضِّرَ المستقبل. نحن الأنطاكيِّينَ جُزءٌ مُكَوِّنٌ لِهذا النّسيجِ المَشْرِقِيّ، وَدَورُنا فِيهِ لا يُقاسُ بِالكَمِّ العَدَدِيّ، بَلْ بالرُّوحانيَّةِ الّتي بِها نَصُوغُ مَعَ غَيرِنا ثَقافةً دِينامِيّةً تَحمِلُ بَصَماتِ هذا المَشرِقِ وَإِرْثَهُ الزّاخِر. نحنُ في مَشْرِقٍ اعْتادَ أنْ يُعطِيَ الجميعَ فُرَصَ الإبداعِ والتّواصُلِ الثّقافِيّ، وسَنَسعى إلى أن يَكُونَ هذا الجَهْدُ النَّوعِيُّ المشترَكُ عُنوانَ الحُضُورِ المَشْرِقِيِّ في الحَضارةِ العالَمِيّة.

في هذا السِّياق، لا بُدَّ لَنا مِنْ أنْ نُلاحِظَ أنَّ لِلدُّوَلِ، كَتَنظِيماتٍ سياسيّةٍ لِلمُجتَمَعاتِ الإنسانيّةِ في حاضِرِنا اليوم، دَوراً كبيراً في النُّمُوِّ المُجتَمَعِيِّ وَفي العَلاقاتِ بَينَ الشُّعُوب. وإننا واعُونَ تَمامًا أَنَّ علَينا أنْ نَكُونَ في العالَمِ رُسُلَ فَرَحٍ وَسَلام. نحنُ مُدرِكُونَ أَنَّ علَينا أنْ نَتَجَنَّدَ، مَعَ غَيرِنا مِنْ ذَوِي الإرادةِ الحَسَنة، لِلعَمَلِ على إحلالِ السَّلامِ في كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقاعِ الأَرْضِ يَتَعَرَّضُ أَبناؤُها لِلحُرُوبِ، أَوِ التَّهْجِيرِ، أَوِ الاِقْتِتال، إلى جانِبِ مُرافَقَتِنا لَهُمْ بِالصَّلاةِ حتّى يُخَفِّفَ اللهُ مِنْ آلامِهِمْ وَأَوجاعِهِم، وَيُلْهِمَ السّاسَةَ حُسْنَ التّدبير. كَما نُدْرِكُ أنَّ عَلَينا أَنْ نَضَعَ الخِطَطَ، مَتى أَمْكَنَنا ذلك، لِنُقَدِّمَ الخَدَمات، مَعَ كُلِّ الخَيِّرِين، حَتّى نُدْخِلَ الفَرَحَ إلى قُلُوبِ الجميع. نحن، كمسيحيِّين، نَعمَلُ مِنْ أَجْلِ المُصالَحَةِ وَالتَّقارُب وإحلال الأخوة والعدالة والسلام والحرية من خلال الحوار ولقاء الآخر بالمحبة، لأنّ خِدمَتَنا في العالَمِ هِيَ "خِدْمَةُ المُصالَحة" (2 كور 18:5)، وَلا يُمكِنُنا أَنْ نَتَغاضى عنها. وسنعمل لتوسيع المشاركة في هذا الهم محلياً ودولياً "لأن الخليقة كلها" مدعوة أن تسبح الرب.

واليوم، وَرُغمَ الصّعوُباتِ التيْ تَمتحنُ كلَّ يوْمٍ شَهادَتَنا المَسّيْحيّةَ، والقلقِ الذيْ يُساورُ الكثيرينَ في معاناةِ الحاضِرِ أوْ لَدى اسْتشرافِ المُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّ كَنِيْسَتَنا تُشارِكُ آلَامَ شَعْبِها كلِّهِ مُشارَكَةً كامِلَةً،  فِيْ الصَّبْرِ كَمَا فيْ الشَّجَاعَةِ.

وأنْتمْ أيها اللبنانيونَ، دعُونِي اليومَ أتوجهُ إليكُمْ، متأمِّلاً أمامَكُمْ ومَعَكمْ فيْ شُؤونِ لُبنَانَ، عَنيْتُ بِها تِلك الَّتيْ تَعْلو فوقَ الحِساباتِ الصَّغيرةِ والخُصوماتِ، وأقول: إن للبنانَ عندَنَا، نَحنُ الأنْطاكِييْنَ، منزِلَةً خاصّةً، فَهُوَ فسحَةُ حُرّيَّةٍ ومَجالُ تفاعلٍ وأَرضُ لقاءٍ وانْفتاحٍ، وَوطَنٌ لِكُلِّ مُواطنيهِ على اختلافِ انتماءَاتِهمْ، لَا ساحَةٌ للنِّزاعاتِ، وَسَلامُه حقٌ لَهُ كَما استِقْرارُه وازدهَارُهُ. وتدْفَعُنيْ مَحَبَّةُ لُبنانَ، واعْتزازُنا نَحنُ الأرثوذكْسَ الأنْطاكيينَ بِهِ، أَنْ أُشارِكَكُمْ النَّظرَ فيْ بعْضِ ما يتَّصِلُ بِدَورِ الأرثوذكسيّينَ فيْ الحياةِ العَامَّةِ.  
   
كَثيْراً مَا سَلَكَ الأرثوذكس مَسالِكَ مُتعدِّدةً فيْ العَمَلِ الوَطَنيِّ. فَلَمْ يَنْضَوُوا مَرّةً فِيْ حِزْبٍ واحِدٍ ولمْ يَسيْروا وراءَ زعيمٍ أَوْحَدَ وَلمْ يُنْشِئوا كيانَاتٍ سياسيّةً تَدَّعيْ تَمْثيْلهُمْ والنُّطقَ باسمِهِمْ والدّفاعَ عَنْ مَصالِحِهِمْ. بَل سَعَوا، بِوَجْهِ الإِجْمالِ، إِلى تَحقِيقِ الانْسجامِ بَيْنَ الهَويّةِ المَسيحيَّةِ وَالوَطَنيِّةِ الُّلبنانيّةِ والانْتماءِ إلى المَشرقِ العَربيِّ. وَغالباً مَا رَأَى الكَثيرُونَ أنْفُسَهُم بِصورَةِ بُناةِ الجُسورِ بينَ اللُّبنانيّينَ وفيْ دُنيا العَرَبِ. واتَّسَمَتْ مُشارَكَةُ الأُرثوذكسِ فِيْ الحَياةِ السِّياسيَّةِ والاجتماعيِّةِ والثَّقافيَّةِ، بِسماتٍ تَشَكَّلتْ عَبْرَ خِبرتِنا التاريخيَّةِ والتَّوزُّعِ الجُغرافيِّ في لُبنانَ كُلِّهِ. وتأثّرَتْ عِنْدَ فِئاتٍ واسِعَةٍ بتراثِنا الكَنَسِيِّ الخاصِّ. وَتفاعَلَتْ، وَعَلَى نحوٍ مُتزايدٍ، مَعَ التَّوَجُّهاتِ الرِّعائيَّةِ للقادَةِ الرُّوحييْنَ وَمَعَ اتّساعِ الالتِزامِ الكَنَسيِّ في أوساطٍ عَديْدةٍ. وعَملَ الرُّعاةُ على تَمْتينِ الوحدَةِ بَيْنَ أبْنَائِهِمْ على أَساسِ الانتماءِ الكَنَسيِّ الوَاحِدِ، وَمِنْ دُونِ تَعالٍ على سِواهُمْ مِنَ اللُّبنانييْنَ أَوْ خَوفٍ مِنْهُم أَو انكفاءٍ عَنْهُمْ. وفي ضُلُوعِهِم بِمُوجِبِاتِ الرّعايَةِ، انطلَقَ البَطريَركُ والمَطارِنَةُ  مِنَ الإِيمانِ الأرثوذُكسيِّ وَمعَهُ التَّقليدُ الحَيُّ، لا لإِملاءِ مواقِفَ واحدَةٍ أو اقتراحِ حُلولٍ مُستحْضَرةٍ بَلْ للتَذْكيرِ بِقيَمِ الإِنجيْلِ وَفَتْحِ طَريقِ التّأمُلِ فيْ شُؤونِ المُجتَمَعِ والسّياسَةِ أمامَهُمْ ليَبْقَوا مُستَنيْريْنَ بِتِلكَ القِيَمِ.

لكنّ العُقُودَ الأخيْرةَ أرْخَتْ بثِقَلِ المُشكلاتِ على الأرثوذكس وَعَلى المَسِيْحييْنَ وسائِرِ اللُّبنانيينَ. فَعَانَوا في انتمائِهِم الوطَنيِّ وَفيْ قُدْرتِهم على إِعَادَةِ بِناءِ الوحدَةِ المُتَصدِّعَةِ بَيْنَ أَبْناءِ الوَطَنِ الواحِدِ وفيْ سَعْيِهِمْ إِلى قيامِ الدَّولَةِ الواحِدَةِ، دوْلَةِ المُساواةِ فيْ المُواطَنَةِ. وَقاسَوا، كغيْرِهِم مِنَ اللّبنانيّيْنَ، مِنْ تَراجُعٍ في فِكْرةِ الدَّولَةِ والصَّالِحِ العامّ وَمَبدَأِ المُواطَنَةِ. وتَضرّرُوا من إِعَاقَةِ تَحقُّقِها. وَشَعَروا بالمُقابِلِ، مِثْلُهُم كَمِثْلِ مُواطِنيْهِمْ، أَنَّ الإحْجامَ عَنِ التَّصَدّي الجَادِّ للأزماتِ المَعيشيَّةِ المُتراكمَةِ والاضْطرابَاتِ السِّياسِيّةِ المُتعاقِبَةِ، يُعرّضُ  المَصيرَ الوَطنيَّ لِمَخاطرَ حَقيْقيَّةٍ.

إِنَّ مواجهَةَ هذِهِ المَخاطرِ شَأنٌ رُوحيٌّ وأَخلاقيٌّ فيْ المَقامِ الأَوّلِ. وَهيَ مسألةٌ وَطنيَّةٌ تَتَعدَّى حُدودَ الطّوائفِ. رُبَّما كانَتْ لُغَةُ الشَّكوى أوْ الاعتراضِ طائفيَّةً إلّا أَنّ صيْغَةَ المعالَجَةِ لا تَضَعُها كلُّ طائفةٍ بِمُفْردِها. وَلعلَّ دعْوَةَ الأرثوذكسِ التَّاريخيَّةِ مُؤَهِّلَةٌ أنْ تجنّبَهُمْ الوُقوعَ فِيْ أَسرِ التَّعَصُبِ الطّائِفيِّ العقيْمِ والجُنوحِ نحوَ مُعالجاتٍ فئويَّةٍ لِمُشكلاتٍ عامَّةٍ. وَهيَ تَعْصِمُهُمْ فيْ الوَقْتِ ذاتِه عَنِ التَّخاذُلِ أَو التَّنَصُّلِ. وتحوْلُ دُوْنَ استكانَتِهمْ لِلأَمْرِ الواقِعِ وتَنَازُلِهِمْ عنْ حَقِّ المُشارَكَةِ ومسؤوليَّةِ المُساهَمَةِ فيْ تحقيقِ الخيْرِ العَامّ. فَتَنْفَتِحَ عِندَها أَمامَهُمْ مُقارَبَةٌ للواقِعِ الطَّائفيِّ بِالمَنْطِقِ الكَنَسيِّ، على نحْوٍ لا يَتجاهَلُ هَذا الواقِعَ أو يُنْكِرُهُ، فَلا يَكونُ التَّعامُلُ مَعَهُ مُجرَّدَ تَدْبيرٍ لَبِقٍ، يُلائِمُ الظُّرُوفَ أوْ يُحاذرُ تَقلُّبَ الأَحوالِ، بَل ارتِفاعَاً بِالسِّياسَةِ إِلى مَا تَحْتاجُهُ إِدارَةٌ رَشيدَةٌ لِحَياةِ اللُّبنانييْنَ المُشْترَكَةِ وإِلى مَا يَستحِقّه لُبْنان.

وفيْ سياقِ الشّأنِ العامِّ أيضاً، أودُّ أنْ أذكِّرَ بأنَّنا في لُبنانَ، كجزءٍ لا يتجزَّأُ منَ المدى الأنطاكيِّ، كَنيسةٌ تحتضِنُ الطّائفةَ، لكنّ الطائِفَةَ لا تحتويْ الكنيسَةَ ولا تختَصرُها. ولأنّنا مصرُّونَ على تثميرِ محبَّتنا للوطَنِ في الخدْمةِ والمشاركةِ، يهمُّنا أنْ يُعطى أولادُنا مجالَ تفعيلِ طاقاتِهمْ في مجتَمعِهم فلا يُستضعفُونَ ولا يُهمَّشونَ، بل تتمُّ الاستفادةُ منْ قُدُراتِهم، وفقَ ما تَسمحُ به القوانينُ، على أساسِ الكفاءةِ والاستحقاقِ.

أحبائيَ، أيُّها اللُّبنانيونَ،

Beirut_2 نَعمْ، نحنُ مدعوّونَ أن نصيرَ عظماءَ باللهِ. وهذا الارتقاءُ هو ما نقدِّمه للوطنِ هديةً ونرفَعُه إلى الله قُرباناً. وإذا صِرْنا كِباراً نَكونُ قدْ أَتْممنا سَعيْنا ساهرينَ عَلى أنْ نحفظَ تواضُعاً يُقيمُنا فيْ الرِّفعةِ. نحنُ خدُّامٌ لكل أبناءِ هذا الوطنِ علىْ غِرارِ الَّذيْ قِيْلَ عَنْه: "ما جاءَ ليُخدَمَ بَلْ لِيخدِمَ وَيَبْذلَ نَفْسَهُ فِداءً عَنْ كثيريْنَ". ليْسَ مِنْ إِنسانٍ خُلِقَ عَظيْمًا. يُصْبحُ كَذلِكَ إذا بَذلَ نفسَهُ عَنِ الإِخْوَةِ. مَنْ ماتَ يَحْيَا. مَنْ أحَبَّ يَحيا ويُحيِيْ لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ، ابْنًا لِلقيامَةِ يَكونُ.

وفيْ النّهايةِ، منْ هُنا، منْ بيروْتَ، مدينَةِ المحبَّةِ والجذورِ الأصيلَةِ والإيمانِ والعِلمِ والعيْشِ المُشترَكِ، الضارِبَةِ قِدْماً في التّاريخِ، أدعوْ الجميعَ في أوطانِنا المعذَّبةِ أنْ نبنيَ جُسوراً مِنَ المحبَّةِ. وإننا نُصليْ ونعملُ كيْ يعودَ السلامُ والطمأنينةُ والاستقرارُ إليها، حاملينَ في قلوبِنا شعْبَنا في لبنانَ، وفي العراقِ وفلسطينَ وسائرِ بلدانِ مشرقِنا العربيِّ. وأخصُّ بالذكرِ سوريا، مهدِ الحضاراتِ، وأصلّيْ وأطلبُ منَ اللهِ أنْ يبعدَ عنْها كلَّ مكروهٍ وعُنفٍ وخرابٍ ويُوصلَها إلى السّلامِ والعيشِ الكريمِ. وهذا يفترضُ أن نُولَدَ كلَّ يومٍ بروحِ الربِّ، الذي يرانا نلتهبُ بنارِهِ فنجعلَهُ نوراً يجدِّدُ قلوبَنا، علَّنا ندحرُ بذلكَ عنْ دُنيانا العَتَماتِ ويصبحُ لبنانُ وسوريا وهذا الكونُ قائماً من بينِ الأمواتِ.

وفي الختام، أحييكم جميعاً من هذا المنبر الشريف من كنيسة مار نقولا في بيروت، وأحيي كافة أبناء شعبنا في أوطاننا وبلاد الانتشار، في الأمريكيتين وأستراليا وأوروبا وجميع أصقاع الأرض.

ألا كانت رحمة الرب غنية عليكم، بارككم الله وكان معكم.