عندما ترتبط بربِّكَ يربطُكَ هو بأخيك



2012-12-22

مؤتمر صحفي لصاحب الغبطة يوحنا العاشر في كنيسة الصليب المقدس - دمشق

صباح الخير جميعاً.


في اللقاء الأوّل، قد يكون من المناسب يا أحبّة أن أَذكرَ بكلمةٍ بسيطة بعض النقاط التي قد يكون من الضروريّ أن تتوضّح منذ البدء، كبطريرك جديد للكرسيّ الرسوليّ للقدّيسَين بطرس وبولس، الكرسيّ الأنطاكيّ الأرثوذكسيّ المقدّس.

نتكلّم عن كنيسة أنطاكية، كنيسة مشرقيّة أَصِيلَة. لا بل هي كنيسة الشّرق، جذورها ضاربةٌ في أرضه، وخاصة في المشرق، وبشكلٍ خاصّ في سوريا ولبنان. فهي للجميع تعطي لكلّ إنسان ولكلّ سكّان المنطقة من توهُّجِ حرارتِها وتراثها. وتسعى كي تبقيه حياً في ضميرها ومواكباً للعصر، وتطوُّرِ المجتمع.

عروس المسيح كنيسة أنطاكية، بقيت وستبقى متعاونةً مع جميع أطياف البشر الذين يعيشون في هذه المنطقة. وكلّنا ندرك وكلّنا نعرف أنّ المؤمنين في أنطاكية [كما تقرأ في سفر أعمال الرسل دُعُوا مسيحييّن أوّلاً. هذا الاسم "المسيحيّ" دُعِيَ المؤمنون به في أنطاكية، ومن هذه البلاد انتشر لِيَعُمَّ سائرَ العالم المسيحيّ.

نحن المسيحيّين موجودون في هذه البلاد وباقون. ونحن نؤمن أنّ وجهَ المسيحِ لن يغيبَ عن هذه المنطقة. وكلُّنا يعلم ماذا قدّم المسيحيّون لهذه البلاد: الشّهداء، الحضارة، الثقافة، التراث والعراقة. كُنّا دوماً مع أبناء بلدنا ووطننا ندرك معنى المواطنة والوطن في مواجهة الآتين من خارج هذه الديار، حتى لو كانوا مسيحيّين في بعض الأحيان.

عندما نتكلّم عن الإيمانِ وعن الدّين، يطول الحديث. ما هو الدين؟ الدين يربطُكَ بِرَبِّك. ولكن ما أريد أن أقوله اليوم ألّا تنسى أنّك عندما ترتبط بربِّكَ يربطُكَ هو بأخيك. الله، كما نقرأ في الإنجيل، مـحبّة. ويقول بشكل خاصّ الرّسولُ الإنجيليُّ يوحنّا، مُـحَدِّدًا بكلامٍ أَدَقّ: "مَن يَدَّعي أنّه يُـحِبُّ الله وهو لا يُـحِبُّ أخاه فهو كاذب". فالإيمان هو أن تؤمن بالرّبّ، وأن تنفتح بكلّ مـحبّةٍ وَصِدْقٍ على الآخر.

من ناحية ثانية، العملُ الكَنَسِيُّ مُتَعَدِّدُ الجَوانِب: رُوحِيّ، إداريّ، رعائيّ، مؤسّساتيّ وإلى ما هنالك. عندما سألَ السيّدُ بُطرسَ: "أَتُـحِبُّني؟"، وكرّرَ السّؤالَ ثلاثًا، سامِعًا الإيجابَ من بُطرُسَ في كُلِّ مَرّة، وَمُعَقِّبًا علَيه بِـ "اِرعَ خِرافي"، هذا يُعَلِّمُنا أنَّ الـمحبّةَ هي في صُلْبِ رسالتنا وعملنا الكَنَسِيّ، ومن هذه المنطلق نحن نفهم كلَّ الأعمالِ الأخرى المؤسَّساتيّةِ والإداريّة والخِدميّةِ والخَيريّةِ وغيرها.

الأمورُ الإداريّةُ والرّعائيّةُ والتّرتيبيّةُ ستكونُ من جُملةِ اهتماماتِ البطريرك في الكنيسة، لكنْ بالنتيجة هو أبٌ، هو الأب في عائلته، في عائلته المسيحيّة وفي العائلة الكبرى على صعيد الوطن والبلد والمنطقة.

على صعيد البيت الداخلي في الكنيسة لا شك أننا بحاجة ماسة إلى مسيرة تنهض وتجدد الكثير من الأمور في حياتنا الكنسية، نهضةٌ روحية. وقد يعني هذا تجديد الذهن، تجديد العقل والقلب في الإنسان أوّلاً؛ نهضةٌ إداريّةٌ تُواكِبُ العصر؛ نهضةٌ إعلاميّة؛ وكلُّ ما يترتب علينا من واجبات في مدارسنا، في جامعة البلمند وفي كلّ مؤسساتنا.

وأسمحُ لنفسي في هذه الإطلالة، ومن هذا المكان الشريف المقدّس في كنيسة الصليب المقدّس في دمشق، أن أرسل البركة والتحيّةَ إلى كُلِّ أبنائنا المنتشرين في الوطن والمهجر. في سوريا، في لبنان في العراق في فلسطين في كلِّ المشرق. وإلى أبنائنا في المهجر، في الأمريكَتَين، وأوستراليا وأوروبا، وفي كلّ أصقاع العالم.

ونحن نحيّيهم ونـهديهم البركة الرسوليّة من هذا المكان المقدّس في دمشق. نحن بالطبع دُعاةُ سلام، دُعاةُ مـحبّة، دُعاة مَسرّة، دُعاةُ طُمَأنينة، خاصّةً وأننا على أبواب عيد الميلاد المجيد. فنتذكّرُ القَولَ الإلـهيّ: "لا تـخافوا، لا تـخافوا. أُبَشِّرُكُم بِفَرَحٍ عظيم." نحن نعيش على هذ الرجاء. مهما كانت الظروف قاسية والشدائد والصعوبات، هذ الرجاء باقٍ فينا وهذا هو إيماننا بالنسبة لبلدنا الحبيب سوريا، أنّ هذه الغيمة وهذه الفترة العصيبة التي تمرّ بـها ستَعبُرُ بإذن الله، وتعود إلى الاستقرار والأمان الذي كانت عليه.

الحوارُ أساسيٌّ في حياتنا. نتكلّم عن المحبّةِ والفرح والسلام. وهذا نعبّر عنه جميعُنا في حياتنا بالحوار المشترك وبقبولِ الواحد منّا للآخَر. هذا لا يُعبَّرُ عنه بالعُنف أو بأيّةِ طريقةٍ أُخرى، بل بالانفتاح على الآخَرِ وقبولِه. إنّ الصّليبَ –شعارَنا نحن الـمسيحيِّين- خَشَبتان، دفّتان، عَموديّةٌ وأُفُقيّة. العَمُوديّةُ كي نتذكّرَ أنّ الإنسانَ مشدودٌ إلى السّماء، إلى رَبِّه؛ أمّا الأُفُقِيّةُ فَتُذَكِّرُنا بأنّه مشدودٌ إلى أخيه فاتِـحًا يدَيه للإنسان الآخَر. والصّليبُ مُكَوَّنٌ مِن هاتَينِ الخشبتَين معًا، وواحدةٌ منهما لا تصنعُ الصّليب.

أَرفَعُ صَلاتي وَدُعائي في النهاية لكي يحفظَ اللهُ بلادَنا ومنطقتَنا، وبشكلٍ خاصٍّ سوريا ولبنان. وقد يكون من المفيد أن أَذكُرَ قصّةً لأحدِ آبائنا القدّيسِين، ويسمّى مكاريوس.

 يقول إنّه شاهَدَ في رؤيا أنّ النّاسَ في الجحيم، وسألَـهم ما هو وضعُكم هناك. فكان الجواب أنّ هناك عذابًا كبيرًا. فقال: ولماذا هذا العذاب؟ فكان الجواب لأنّ كلَّ واحدٍ منّا مقيَّدٌ إلى الآخَرِ ظَهراً لِظَهر. أيْ إنّ الإنسانَ في الجحيم لا يَرى وجه الآخَر. هذا هو الجحيم.

ولهذا، فَلْنَنبُذِ العُنفَ وكُلَّ أشكالِه، وَلْنَجْلِسْ إلى طاولةِ الـمحبّةِ والحوارِ، من أجل منفعة أنفسِنا وبلادِنا وشعبِنا. من أجلِ سَلامِنا وسَلامِ منطقتِنا بأكملها.

وشكرًا.