إنّكم جميعكم موجودون في قلبي المتواضع والبسيط



2012-12-23

كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر على المائدة بعد قداسه الأول في دمشق

بعد القدّاس الإلهيّ الذي أقمناه في الكنيسة، وفي نهايةِ مائدةِ المحبّةِ التي جمعَتْنا معاً، السادة الإخوة الأحبّاء جميعاً، المطارنة في الكنائسِ المسيحيّة، والسّادة مطارنةَ مجمعِنا 
المقدّس، والأباء الأجلاء، وأنتم جميعاً يا أحبّة، يَطيبُ لي أن أتوجّهُ إليكُم جميعًا ببضعةِ كلمات:

نشكر الربَّ على كلّ شيء، أوّلًا وآخِراً، هو السيّد، رجاؤنا فيه، هو أحبّنا لدرجة بذلِ نفسِه من أجل الانسان وخلاصه. ونحن مؤتمنون على

Lord_1

هذه الرسالة. والكنيسة هي عمود الحقّ عبر التاريخ، لكي تشهدَ للحقّ وتعطيَ الخلاصَ للبشريّةِ جمعاء. ونَثِقُ أنَّ الرّبَّ يقوِّينا بصلواتِكم ومحبّتِكم وأَدعِيَتِكم، والتّعاونِ فيما بينَنا. فنحن عائلةٌ واحدة. كلُّنا هكذا نؤمن، ونعتقد أنّنا نستطيع أن نقوم بهذه الرسالة، الوديعة التي اؤتُمِنّا عليها.

في طقس الكنيسة الأرثوذكسيّة، هناك موضوع لاهوتيّ هامٌّ، يَعني ما يعنيه، ألا وهو أنّ الكاهن، في قدّاس رسامتِه، وتحديداً بعد الاستحالة (استدعاء الروح القدس واستحالة القرابين الى جسد ودم الرب الكريمَين)، يأتي إلى الأسقف واضعاً يدَه اليمنى فوق اليُسرى، فيعطيه الأسقفُ الحَمَلَ (جسدَ الرّبِّ يسوع المسيح) ويقول له: "خُذْ هذه الوديعة (هي المسيح يسوع، وديعة الايمان) وكن أميناً عليها وستعطي جواباً في اليوم الأخير"، يأخذ الحمل (المسيح يسوع) ويذهب وراء المائدة المقدّسة إلى حين تجزيء الحَمَلِ وإجراء المناولة. هذه هي الأمانة الكبيرة التي بين أيدينا جميعاً. جميعنا، وبِكُلِّ محبّة، نحملُ الرّبَّ يسوع بين أيدينا، وواجبُنا أوّلًا وأخيراً إيصالُهُ إلى الناس، لأنّه هو الفرحُ وهو السّلام.

إنّ كلّ ما نقومُ به من نشاطات رعائيّة، مؤسّسات، مدارس، وهيئات، والتي تتحدّث عن الأنظمة والقوانين والأوقاف والأمور الماليّة، كلُّها مهمّة، لأنّها تخصُّ الإنسان. وهذا كلُّه يُسخَّرُ في النّهايةِ لخدمة الإنسان.

إسمحوا لي أن أشكركم جميعاً وأقول لكم إنّكم جميعكم موجودون في قلبي المتواضع والبسيط، وأطلب منكم أن تحملوني أيضاً في قلوبكم، وفي صلواتكم وأدعيتكم بشكل خاصّ، لكي أتمكّنَ من تحمّلِ هذه المسؤوليّة. ولا يخفى عليكم أّنها مسؤوليّةٌ كبيرة، ورسالةٌ ساميةٌ جدّاً خاصّةً في هذه الظروف المحيطةِ بنا، وبالتحديد ببلدنا سوريا. وندعو الرب الإله أن يعطينا بأسرع وقت أن نتجاوز هذه الغيمة، العاصفة التي تعصف بهذا البلد الحبيب، وتعود سوريا إلى سلامها وأمانها وفرحها وطمأنينتها. إنّ بلادنا جميلة، طيّبة، أرضها، حجارتها، أنهارها، سهولها، أوديتُها وشعبها، كلّهم طيّبون ويستحقّون كلّ الخير، هذا هو إيماننا ورجاؤنا. ونحن نَرفَعُ الأدعيةَ والصَّلَواتِ لا مِن أجلِ سوريا وحَسْب، بل من أجلِ الشرقِ الأوسطِ كُلِّه: لبنان، العراق، فلسطين، ومصر... نَرفَعُ صلواتِنا وقلوبَنا وعملنا في ظلّ هذه الظروف وهذه الأيّامِ الصّعبة، في سبيلِها جميعاً.

أكرِّرُ طَلَبَ صلواتِكم وأَدْعِيَتِكُم لكي نستطيعَ أن نعطيَ الفرحَ لهذا الشعب الطيّبِ الذي يستحقُّ كلَّ خير، ولِنُوصِلَ الرَبَّ يسوعَ المسيحَ إليه، الذي هو خلاصٌ وفرحٌ لِكُلِّ العالم.

بالمناسبة، إخوتي الأجلّاءُ والموقّرُون، آباءُ المجمعِ الأنطاكيِّ، والإخوةُ الأساقفةُ في كُرسِيِّنا الرّسُوليّ، أظهروا ثقةً ومحبّةً عظيمتَينِ، جعلَتاني أشعرُ بمدى ضِعَتي. وَكُلِّي إيمانٌ أنّنا بالفعل واحدٌ.. يَدٌ واحدةٌ.. عائلةٌ واحدة. وَإنّ أجواءَ السّلامِ والوِفاقِ الّتي سادَتِ المجمعَ المقدّسَ الأخير، أثبتت للجميع أنَّ يدَ اللهِ هِيَ الّتي عَمِلَتْ. كثيرون أوّلُوا وَفَسَّرُوا وحَلَّلُوا، لأنَّ الإعلامَ للأسف في أيامنا هذه، يزيد على الأمور بطريقة تليق أو لا تليق. إلّا أنَّ مشيئةَ الله هي الّتي تتحقّقُ بالنّتيجة، كما يقول: "ابتعدَتْ طُرُقِي عن طُرُقِكُم كابتعادِ السّماءِ عن الأرض".

أشعر بمسؤوليّةٍ كبيرة. وَلَو فَكَّرتُ بَشَرِيّاً، فلا شَكَّ بأنّني لن أستطيعَ استيعابَ ما يحصل. فَشُكراً، إخوَتي السّادةَ المطارنة، شُكراً على ثقتِكُم ومحبَّتِكُم اللَّتَينِ تعطِيانِني القُوّةَ لأُتابعَ هذه الرسالة.

سيادةَ القاصدِ الرّسُوليّ سيّدنا بولس، ويا جميعَ الأحبّاءِ الحاضرِين، نحن جميعاً نشهد لِوَجْهِ المسيح، لكنيسة المسيح. نحن كلُّنا واحد.­ لقد حدثَ ما حدث في التاريخ وفي فتراتٍ مختلفة، وللأسف توزّعَ الجَسَدُ الواحدُ إلى أجسادٍ كثيرة. لا أحدَ مِنّا يُرِيدُ أنْ يحدُثَ ما حَدَث. والألَمُ يُجَرِّحُ قُلُوبَنا جميعاً. نحن لا نُصلّي فحسب، بل نُصلّي ونعمل، ويجب أن نعمل أكثرَ مِن ذلك، لِنُظهِرَ لِلعالَمِ شهادةَ المسيحِ أمامَ العالَمِ الخارجيّ، على الأقلِّ كما يقول الانجيل: "أَحِبُّوا بعضُكُم بعضاً فيعرِفَ العالَمُ أنّكم تلاميذِي". وسنستطيعُ بإذنِ الله أن نَصِلَ إلى أكثر من تعاون.

سعادةَ القاصدِ الرّسوليّ، أَوَدُّ أن أشكُرَكُم جزيلَ الشُّكر، وأَوَدُّ أن أطلب منكم أن تنقلُوا محبّتي واحترامي إلى الأبِ الأَقدَسِ بنديكتوس بابا روما. كما أطلب أن تصلّوا مِن أجلنا. وكُونوا على ثِقَةٍ أنّه ستجمعُنا علاقةٌ وتعاونٌ جيّدانِ جِدّاً، وسنطلب المزيدَ والمزيد، ليس هنا فقط في الشرق الأوسط، ولكنْ في أوروبا، أمريكا، وفي العالم أجمع. نحن نؤمن بالرَّبِّ يسوعَ المسيح، ونحاولُ جميعاً أن نُبَلِّغَ رسالةَ المسيحِ إلى كافةِ أرجاءِ العالم.

صاحِبَ السِّيادة، إنَّني أَكُنُّ كلَّ المحبّةِ لسيِّدنا غبطةِ البطريرك زكّا، وكلُّنا نعرف محبّتَهُ وتقديماتِهِ وعطاءاتِهِ وعلاقتَهُ المتميِّزةَ مع سيّدِنا صاحبِ الغبطةِ المثلَّثِ الرّحماتِ البطريرك إغناطيوس هزيم. والجميع هنا كان يربطهم بشخصه الكريم المحبّةُ الكبيرة.

فأنتم جميعاً يا أحبّة دون استثناء، الحاضرين والغائبين، بهذه المنطقة كلّها، دمشق الغالية على قلوبنا ولبنان وكلّ المساحة الجغرافية التي يغطّيها الكرسيّ الأنطاكيّ، كلّنا إن شاءَ اللهُ سنكونُ يداً واحدةً وعائلةً واحدة. أمامَنا عملٌ كثيرٌ وقضايا كثيرةٌ بهذه الظروف بشكلٍ خاصّ، والتي تتطلَّبُ الدّراسة. وكيف لنا أن نعمل على تفعيل التّعاوُنِ فيما بَينَنا، وشهادتِنا الموحَّدةِ للرّبِّ يسوعَ المسيح، لكي يكونَ هو الممجَّدَ والمبارَكَ أمامَ العالَمِ كلِّه.

آباءَنا كَهَنَةَ دمشق بكافّةِ رَعاياها، وكافةَ العاملِينَ في الدّارِ البطريركيّة، والذين لم يتوقّفوا عن العمل منذ وفاة البطريرك وخلالَ مراسم الدّفن وحتّى الآن مع انتخاب بطريرك جديد، ألا فَلْيُعطِكُم الرَّبُّ القُوَّةَ والصحّةَ  والعمرَ المديد، ولعائلاتكم وكافة المرتبطين بكم، ولكم منّي جزيل الشّكر.