القدّيس مكاريوس الكبير



01-19


ولادته‭ ‬ونشأته‭:

وُلد‭ ‬هذا‭ ‬القدّيس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬أبوين‭ ‬صالحين‭ ‬بارين‭.‬

والده‭ ‬إبراهيم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬ولد‭ .‬فحدث‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الليالي‭ ‬أن‭ ‬أبصر‭ ‬شخصًا‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الرّب‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬الرّب‭ ‬سيرزقه‭ ‬ولدًا‭ ‬يكون‭ ‬ذكره‭ ‬شائعًا‭ ‬في‭ ‬أقطار‭ ‬الأرض،‭ ‬ويُرزَق‭ ‬أبناء‭ ‬روحيّين.

وبالفعل،‭ ‬إبراهيم‭ ‬رُزِق‭ ‬ولدًا‭ ‬فدعاه‭ ‬‮«‬مقار‮»‬‭ ‬من‭ ‬μακάριο‭ ‬Makarios‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الطوبى‭ ‬والغبطة‭.‬

لمع‭ ‬بتقواه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬صغيرًا،‭ ‬فأقيم‭ ‬مكاريوس‭ ‬الشاب‭ ‬المحبوب‭ ‬من‭ ‬الكهنة‭ ‬ومن‭ ‬شعب‭ ‬القرية‭ ‬قارئًا‭ ‬‮«‬أغنسطس‮»‬‭ .
‬
ولمّا‭ ‬كملت‭ ‬قامته‭ ‬زوّجه‭ ‬والده‭ ‬بغير‭ ‬إرادته،‭ ‬فتظاهر‭ ‬بالمرض‭ ‬أيّامًا،‭ ‬ثم‭ ‬استسمح‭ ‬أباه‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬إلى‭ ‬البريّة‭ ‬لتبديل‭ ‬الهواء‭ ‬فسمح‭ ‬له.‭

‬فمضى‭ ‬وصلى‭ ‬إلى‭ ‬الرّب‭ ‬يسوع المسيح‭ ‬أن‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬يرضيه‭.‬

 
الرؤيا‭ ‬في‭ ‬البريّة‭:

makarios5 
‬
فلمّا‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬البريّة،‭ ‬أبصر ‬رؤيا‭ ‬كأن‭ ‬كاروبًا‭ ‬ذا‭ ‬ستة‭ ‬أجنحة‭ ‬قد‭ ‬أمسك‭ ‬بيده‭ ‬وأصعده‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الجبل‭ ‬وأراه‭ ‬كلّ‭ ‬البريّة‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭ ‬وشمالاً‭ ‬وجنوبًا،

‭‬وقال‭ ‬له‭:‬‮
"‬يقول‭ ‬لك‭ ‬الله‭ ‬أنّه‭ ‬منحك‭ ‬أنت‭ ‬وأولادك الروحيّين‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬كلّه‭ ‬لتكرّس‭ ‬كلّ‭ ‬وقتك‭ ‬للعبادة.‬كثير‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬يأتون إلى‭ ‬هذه‭ ‬البريّة.‭ ‬اسهر‭ ‬وتذكّر‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬لك‭:‬"إن‭ ‬سلكت‭ ‬بكمال،‭ ‬أظهر‭ ‬لك‭ ‬وأعلن‭ ‬لك‭ ‬كلمات‭ ‬الله".
وقد‭ ‬قيل‭ ‬أن‭ ‬الكاروب‭ ‬صحبه‭ ‬كلّ‭ ‬حياته‭ ‬تقريبًا.

لمّا‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬البرية‭ ‬وجد‭ ‬زوجته‭ ‬قد‭ ‬ماتت‭ ‬وهي‭ ‬بعد‭ ‬عذراء،‭ ‬فشكر‭ ‬السّيد‭ ‬المسيح‭ ‬كثيرًا.

‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬مات‭ ‬أبواه‭ ‬فوزع‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬خلَّفاه‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬المساكين،‭ ‬ورأى‭ ‬أهل منطقته،‭ ‬شبشير،‭ ‬طهره‭ ‬وعفافه‭ ‬فأخذوه‭ ‬إلى‭ ‬أسقف‭ ‬أشمون‭ ‬فرسمه‭ ‬قسًا‭ ‬عليهم،‭ ‬وبنوا‭ ‬له‭ ‬موضعًا‭ ‬خارج‭ ‬البلد ‬وكانوا‭ ‬يأتون إلىه‭ ‬ويتقربون‭ ‬منه،‭ ‬وعيّنوا‭ ‬له‭ ‬خادمًا‭ ‬ليبيع‭ ‬له‭ ‬شغل‭ ‬يديه‭ ‬وقضاء‭ ‬ما‭ ‬يحتاج إليه.

‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬سيامته‭ ‬كاهنًا‭ ‬ذهب‭ ‬إلى قرية‬ أخرى‭ ‬إذ‭ ‬حسب‭ ‬نفسه‭ ‬غير‭ ‬أهل‭ ‬للكهنوت‭ ‬ولتكريم‭ ‬شعبه‭ ‬له.‭

‬تذكر‭ ‬بعض‭ ‬المخطوطات‭ ‬أنّه‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬نعمة‭ ‬الكهنوت‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬ذهابه إلى‭ ‬الاسقيط‭.‬

 
تجربة‭ ‬الفتاة‭:

‬

لما‭ ‬رأى‭ ‬الشيطان‭ ‬تعاليمه‭ ‬في‭ ‬الفضيلة‭ ‬جلب‭ ‬عليه‭ ‬تجربة‭ ‬شديدة،‭ ‬وذلك‭ ‬أنّه‭ ‬أوعز‭ ‬إلى‭ ‬فتاة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬شرًا‭ ‬مع‭ ‬شاب‭ ‬بأن‭ ‬تدَّعي‭ ‬بأن‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬هو ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬معها‭ ‬هذا‭ ‬الشر.‭ ‬فلمّا‭ ‬علم‭ ‬أهلها‭ ‬بذلك،‭ ‬أهانوه‭ ‬وضربوه‭ ‬ضربًا‭ ‬موجعًا،‭ ‬فتحمّله‭ ‬وهو‭ ‬صامت.

وعندما‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬ولادتها،‭ ‬لبثت‭ ‬أربعة‭ ‬أيّام‭ ‬معذّبة‭ ‬ولم‭ ‬تلد‭ ‬حتى‭ ‬اعترفت‭ ‬بكذبها‭ ‬على‭ ‬القدّيس،‭ ‬وذكرت‭ ‬إسم‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬أغواها.


فلمّا‭ ‬سمع‭ ‬ذلك‭ ‬أهل‭ ‬الفتاة،‭ ‬توجّهوا إليه‭ ‬يستغفرونه‭ ‬عما‭ ‬حصل‭ ‬منهم‭ ‬له،‭ ‬فهرب‭ ‬منهم‭ ‬تنكّرًا‭ ‬لمجد‭ ‬العالم،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬وقتئذ ‭ ‬٣٠‬عامًا،‭ ‬وإذ‭ ‬فكّر‭ ‬ألا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬قلايته،‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬ملاك‭ ‬الرّب‭ ‬وسار‭ ‬معه‭ ‬يومين‭ ‬حتى‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬النطرون‭.‬

ثم‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬القدّيس مكتريوس:‭ ‬‮«‬حدد‭ ‬لي‭ ‬يا‭ ‬سيّدي‭ ‬مكانًا‭ ‬أسكن‭ ‬فيه‮»‬،‭ ‬فأجابه‭: ‬‮«‬لا‭ ‬لئلّا‭ ‬تخرج‭ ‬منه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬فتكون‭ ‬مخالفًا‭ ‬لقول‭ ‬الرّب،‭ ‬بل‭ ‬البريّة‭ ‬كلّها‭ ‬لك،‭ ‬فأي‭ ‬موضع‭ ‬أردت،‭ ‬أسكن‭ ‬فيه‮».

فسكن‭ ‬في‭ ‬البريّة‭ ‬الداخليّة‭ ‬حيث‭ ‬الموضع‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬دير‭ ‬القدّيسين‭ ‬مكسيموس‭ ‬ودوماديوس،‭ ‬وهو‭ ‬المعروف‭ ‬الآن‭ ‬بدير‭ ‬البراموس.
 

زيارته‭ ‬للقدّيس‭ ‬أنطونيوس:

‬

عندما‭ ‬ذهب‭ ‬لزيارة‭ ‬القدّيس‭ ‬أنطونيوس‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬حينما‭ ‬رآه‭: ‬‮"‬هذا‭ ‬إسرائيلي‭ ‬حقًا‭ ‬لا‭ ‬غش‭ ‬فيه‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬ألبسه‭ ‬الإسكيم‭ ‬المقدّس‭ ‬وعاد‭ ‬مكان".‭

‬ولمّا‭ ‬تكاثرت‭ ‬عنده‭ ‬الأخوة‭ ‬بنى‭ ‬لهم‭ ‬كنيسة‭ ‬وذاع‭ ‬صيته‭ ‬وسمع‭ ‬به‭ ‬الملوك‭ ‬لكثرة‭ ‬العجائب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعملها.

وظهر‭ ‬له‭ ‬ملاك‭ ‬الرّب‭ ‬وأتى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الجبل‭ ‬عند‭ ‬البحيّرة‭ ‬الغربية‭ ‬المالحة‭ ‬الماء،‭ ‬وأعلمه‭ ‬أن‭ ‬يتّخذ‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬مسكنًا،‭ ‬وبنى‭ ‬له‭ ‬قلاية‭ ‬وكنيسة‭ ‬لأن‭ ‬شعبًا‭ ‬كثيرًا‭ ‬سيجيء إليه.


القدّيس‭ ‬والبريّة‭ ‬والسرداب‭:‬


أكّد‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬أن‭ ‬بريّة‬ الإسقيط ‬تفقد‭ ‬قيمتها‭ ‬الرهبانية‭ ‬عندما‭ ‬تدخل إليها‭ ‬المدنّية.

‬قال:‭‬‮«‬عندما‭ ‬ترون‭ ‬القلالي‭ ‬اتّجهت‭ ‬نحو‭ ‬الريف،‭ ‬إعرفوا‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬الإسقيط‭ ‬قد‭ ‬اقتربت.‭ ‬وعندما‭ ‬ترون‭ ‬أشجارًا‭ ‬فأعلموا‭ ‬أنّها على الأبواب، ‬وإذا‭ ‬رأيتم‭ ‬أطفالاً‭ ‬أحملوا‭ ‬ثيابكم‭ ‬الجلدية‭ ‬وأهربوا‮».
 
حتى‭ ‬في‭ ‬بريّة‭ ‬الإسقيط،‭ ‬اعتاد‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬أن‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬ازدحام‭ ‬الشعب‭.‬ ويخبرنا القدّيس‭ ‬بالاديوس‭ ‬أنّه‭ ‬حفر‭ ‬سردابًا‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬يمّتد‭ ‬من‭ ‬قلايته‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬ميل،‭ ‬وينتهي‭ ‬بمغارة‭ ‬صغيرة.‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬جاءت إلىه‭ ‬جموع‭ ‬كثيرة،‭ ‬يترك‭ ‬قلايّته‭ ‬سرًّا‭ ‬إلى‭ ‬المغارة‭ ‬فلا‭ ‬يجده‭ ‬أحد.

وقد‭ ‬أخبرنا‭ ‬أحد‭ ‬تلاميذه‭ ‬الغيّورين‭ ‬أنّه‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يتلو ٢٤‬صلاة‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬المغارة،‭ ‬و٢٤‭‬صلاة‭ ‬في‭ ‬العودة‭.‬


 
رجل‭ ‬المحبّة:‭

‬

اكتشف‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬أن‭ ‬الفهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للتوحّد،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬العزلة‭ ‬عن‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الرغبة‭ ‬الصادقة‭ ‬للاتّحاد‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬محب‭ ‬البشر.‭

Q2 ‬المتوحّد‭ ‬الحقيقي‭ ‬يهرب‭ ‬بالجسد‭ ‬عن‭ ‬البشر،‭ ‬لكنه‭ ‬عمليًا،‭ ‬يحب‭ ‬كلّ‭ ‬إنسان.

كان‭ ‬روح‭ ‬الحب‭ ‬والحنو‭ ‬يسود‭ ‬بين‭ ‬رهبانه‭ ‬كانعكاس‭ ‬لحب‭ ‬القدّيس‭ ‬لهم‭. ‬وقد‭ ‬روي‭ ‬لنا‭ ‬روفينوس‭ ‬قصة‭ ‬عنقود‭ ‬العنب‭ ‬الذي‭ ‬قُدم‭ ‬للقدّيس‭ ‬فقدّمها‭ ‬بدوره‭ ‬لراهبٍ‭ ‬مريضٍ،‭ ‬وعبر‭ ‬هذا‭ ‬العنقود‭ ‬من‭ ‬راهبٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬القلالي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمسّه‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬ليقدّمه‭ ‬للغير‭.‬


 
ستر‭ ‬الخطايا‭ :‬



عُرف‭ ‬القدّيس‭ ‬بسمته‭ ‬الخاصة‭ ‬بستر‭ ‬الخطايا‭ ‬فقيل‭ ‬عنه: «‬صار‭ ‬إلهًا‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬يحمي‭ ‬العالم‭ ‬ويحتمل‭ ‬خطايا‭ ‬الناس‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬يستر‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬رآها‭ ‬أو‭ ‬سمعها‭ ‬كأنّه‭ ‬لم‭ ‬يرَ‭ ‬أو‭ ‬يسمع‭ ‬شيئًا‮».

 
كسبه‭ ‬للوثنيّين:‭

makarios11 
‬
بحبّه‭ ‬كسب‭ ‬وثنيّين‭ ‬للإيمان،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬عنه‭ ‬أنّه‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬ذاهبًا‭ ‬من‭ ‬الاسقيط‭ ‬إلى‭ ‬نتريا،‭ ‬مع‭ ‬تلميذه‭ ‬سبقه‭ ‬التلميذ‭ ‬الذي‭ ‬التقي‭ ‬بكاهن‭ ‬للأوثان‭ ‬كان‭ ‬يجري.‭

‬فقال‭ ‬له‭ ‬التلميذ‭:‬‮«‬إلى‭ ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬تجري‭ ‬أيّها‭ ‬الشيطان؟‮»‬‭ ‬فاستدار‭ ‬الكاهن‭ ‬وصار‭ ‬يضربه‭ ‬حتى‭ ‬تركه‭ ‬بين‭ ‬حيّ‭ ‬وميت.
‬وإذ‭ ‬التقي‭ ‬بالقدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬مدحه‭ ‬القدّيس‭:‬‮ «‬لتصحبك‭ ‬المعونة‭ ‬يا‭ ‬رجل‭ ‬النشاط‮».‬‭ ‬دُهش‭ ‬الكاهن‭ ‬ونُخس‭ ‬قلبه‭ ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬حتى‭ ‬جعله‭ ‬راهبًا‭.‬


 
بعض‭ ‬من‭ ‬أخباره‭:

- ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬ذهب‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬ليقطع‭ ‬الخوص،‭ ‬وكان‭ ‬الأخوة‭ ‬معه. ‬فقالوا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭:‬"هلمّ‭ ‬وكل‭ ‬معنا‭ ‬يا‭ ‬أبانا،‭. ‬فمضى‭ ‬وأكل‭. ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬طلبوا‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬معهم‭ ‬أيضًا. ‬فأبى‭ ‬أن‭ ‬يأكل،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭:‬‮«‬أنتم‭ ‬تحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬الطعام‭ ‬يا‭ ‬أولادي،‭ ‬لأنّكم‭ ‬ما‭ ‬تزالون‭ ‬جسدًا،‭ ‬لكن‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬الآن‮».

- ‬زار‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬القدّيس‭ ‬باخوميوس‭ ‬الطابنسيني،‭ ‬فسأله‭ ‬الأخير‭:‬‮«‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬عندنا‭ ‬إخوة‭ ‬بطّالون،‭ ‬هل‭ ‬يحسن‭ ‬أن‭ ‬نعاقبهم؟‭ ‬أجابه‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس:"‭‬عاقب‭ ‬وأحكم‭ ‬بعدل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬أمرك‭ ‬،‭‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تدن‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬خارج،‭ ‬لأنّه‭ ‬قد‭ ‬كتب‭:‬‮«‬ماذا‭ ‬لي‭ ‬أن‭
‬ادين‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ .‬ألستم‭ ‬أنتم‭ ‬تدينون‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ .‬أمّا‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬فالله‭ ‬يدينهم‭‬‮»‬‭ ‬1‭) ‬كو12‭:‬5‭‬).


-‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬يزور‭ ‬أحد‭ ‬الاخوة‭ ‬يوميًّا‭ ‬لمدّة‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر.‭ ‬فلم‭ ‬يجده‭ ‬ولا‭ ‬مرة‭ ‬قد‭ ‬فرغ‭ ‬من‭ ‬الصلاة،‭ ‬فتعجّب‭ ‬وقال‭ ‬له‭:‬‮«‬أنت‭ ‬ملاك‭ ‬أرضي‭ ‬حقًا‮»‬‭.‬


- يشير‭ ‬‮«كتاب‭ ‬الآباء‭ ‬القدّيسين‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬صراعه‭ ‬ضد‭ ‬الشياطين.‭ ‬كما‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬القدّيس‭ ‬بالاديوس‭ ‬عن‭ ‬إقامته‭ ‬ميّتًا‭ ‬لكي‭ ‬يٌهدي‭ ‬هرطوقيًّا‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بقيامة‭ ‬الأجساد.‭ ‬كما‭ ‬نال‭ ‬موهبة‭ ‬صنع‭ ‬المعجزات‭.‬

 
القدّيس‭ ‬وإمرأتان:

‭ -‬طلب‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬الرّب‭ ‬أن‭ ‬يريه‭ ‬من‭ ‬يضاهيه‭ ‬في‭ ‬سيرته،‭ ‬فجاءه‭ ‬صوت‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إنك‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬ما‭ ‬بلغت‭ ‬إلىه‭ ‬امرأتان‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الإسكندرية‮»‬،‭ ‬وسأل‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬منزلهما،‭ ‬فلمّا‭ ‬دخل‭ ‬رحّبتا‭ ‬به‭ ‬وغسلتا‭ ‬قدميه،‭ ‬ولما‭ ‬استعلم‭ ‬منهما‭ ‬عن‭ ‬سيرتهما،‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬إحداهما‭:‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بيننا‭ ‬قرابة‭ ‬جسدية،‭ ‬ولما‭ ‬تزوّجنا‭ ‬هذين‭ ‬الأخوين،‭ ‬طلبنا‭ ‬منهما‭ ‬أن‭ ‬يتركانا‭ ‬لنترهَّب،‭ ‬ولمّا‭ ‬لم‭ ‬يسمحا‭ ‬لنا‭ ‬عاهدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬أن‭ ‬نقضي‭ ‬حياتنا‭ ‬بالصوم‭ ‬إلى‭ ‬المساء‭ ‬والصلاة‭ ‬الكثيرة‭ .‬وقد‭ ‬رُزِقت‭ ‬كلٍّ‭ ‬منّا‭ ‬بولد،‭ ‬متى‭ ‬بكى‭ ‬أحدهما‭ ‬تحضنه‭ ‬الواحدة‭ ‬وترضعه‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ولدها،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عيشة‭ ‬واحدة،‭ ‬ووحدة‭ ‬الرأي‭ ‬رائدنا،‭ ‬واتّحاد‭ ‬القلوب‭ ‬غايتنا،‭ ‬وعمل‭ ‬زوجينا‭ ‬رعاية‭ ‬الغنم‭ ‬ونحن‭ ‬فقراء،‭ ‬ونكتفي‭ ‬بقوت‭ ‬يومنا‭ ‬وما‭ ‬يتبقّى‭ ‬نوزعه‭ ‬على‭ ‬المساكين‮»‬‭.‬
فحينما‭ ‬سمع‭ ‬القدّيس‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬هتف‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬حقًا‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬القلوب،‭ ‬ويمنح‭ ‬نعمة‭ ‬روحه‭ ‬القدّوس‭ ‬لجميع‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يعبدوه‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬ودّعهما‭ ‬وانصرف‭ ‬راجعًا‭ ‬إلى‭ ‬البريّة.


‭ -‬أضل‭ ‬راهب‭ ‬قومًا‭ ‬بقوله‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬قيامة‭ ‬للأموات،‭ ‬فحضر‭ ‬إلى‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬أسقفه‭ ‬وشكا‭ ‬إليه‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الراهب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُدعى‭ ‬‮«‬أوسيم‮»‬،‭ ‬فذهب إليه‭ ‬ولم يتركه‭ ‬حتى‭ ‬أرجعه‭ ‬عن‭ ‬ضلاله‭.‬


 
رقاده‭:

‬

في‭ ‬يوم‭ ‬نياحته‭ ‬رأى‭ ‬القدّيسين‭ ‬أنطونيوس‭ ‬وباخوميوس‭ ‬وجماعة‭ ‬من‭ ‬القدّيسين‭ ‬والملائكة،‭ ‬وأسلم‭ ‬الروح‭ ‬بالغًا‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬سبعًا‭ ‬وتسعين‭ ‬سنة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬برمهات‭ ‬سنة٣٩٢م،‭) ‬برمهات‭ ‬هو‭ ‬الشهر‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬التقويم‭ ‬المصري. ‬وفي‭ ‬التقويم‭ ‬الغريغوري‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬١٠‭ ‬آذار‭ ‬إلى ‭ ‬٨نيسان)‭.

كان‭ ‬قد‭ ‬أوصى‭ ‬تلاميذه‭ ‬أن‭ ‬يخفوا‭ ‬جسده،‭ ‬فأتى‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬شبشير،‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬وٌلد‭ ‬فيها،‭ ‬وسرقوا‭ ‬جسده‭ ‬وبنوا‭ ‬له‭ ‬كنيسة‭ ‬ووضعوه‭ ‬فيها.‭ ‬بقي‭ ‬جسده‭ ‬هناك‭ ‬حوالي‭ ‬المئة‭ ‬سنة‭ ‬ثم‭ ‬أعيد‭ ‬إلى‭ ‬ديره‭.‬


‭ ‬
من‭ ‬أقواله:

‭ ‬

‭- ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬وأنت‭ ‬تنتهر‭ ‬أحدًا‭ ‬يتحرّك‭ ‬فيك‭ ‬الغضب،‭ ‬فأنت‭ ‬تشبع‭ ‬هواك،‭ ‬ففي‭ ‬خلاص‭ ‬أخيك‭ ‬لا‭ ‬تخسر‭ ‬نفسك‭.‬
‭ - ‬إن‭ ‬احتفظنا‭ ‬بتذكّر‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الناس‭ ‬ضدنا،‭ ‬فإنّنا‭ ‬نحطّم‭ ‬القدرة على تذكّر الله.‬
‭ - ‬إن‭ ‬طول‭ ‬الروح‭ ‬هو‭ ‬الصبر‭... ‬والصبر‭ ‬هو‭ ‬الغلبة‭... ‬والغلبة‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭... ‬والحياة‭ ‬هي‭ ‬الملكوت‭... ‬والملكوت‭ ‬هو‭ ‬الله‭.‬
‭ - ‬البئر‭ ‬عميقة،‭ ‬ولكن‭ ‬ماءها‭ ‬طيّب‭ ‬عذب‭.‬
‭ - ‬الباب‭ ‬ضيّق،‭ ‬والطريق‭ ‬كَرِبَة،‭ ‬ولكن‭ ‬المدينة‭ ‬مملوءة‭ ‬فرحًا‭ ‬وسرورًا‭.‬
‭ - ‬البرج‭ ‬شامخ‭ ‬حصين‭ ‬ولكن‭ ‬داخله‭ ‬كنـــوز‭ ‬جليلة‭.‬
‭ - ‬الصوم‭ ‬ثقيل‭ ‬صعب،‭ ‬ولكنّه‭ ‬يوصِّل‭ ‬إلى‭ ‬ملكوت‭ ‬السموات‭.‬
‭ -‬فعل‭ ‬الصلاح‭ ‬عسير‭ ‬شاق،‭ ‬ولكنّه‭ ‬ينجِّي‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬برحمة‭ ‬ربّنا‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬المجد‭.‬
 
بشفاعة‭ ‬القدّيس‭ ‬مكاريوس‭ ‬يا‭ ‬مخلّص‭ ‬خلصّنا‭.‬