دير السيدة - بلمانا ودير القديس جاورجيوس الحميراء…



2019-06-04

صاحب القداسة البطريرك إيريناوس وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام يتفقدان، برفقة وفدين من كلا الكنيستين، دير السيدة - بلمانا ودير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي- وادي النصارى.

استقبالات عمت العديد من قرى منطقة الوادي.
صاحب القداسة البطريرك إيريناوس يقول: "إن الشعب السوري شعب مؤمن، وما رأيناه يسطر عراقة الإيمان والتاريخ. لذا، أعدكم أن أزوركم مرة ثانية".
٤حزيران ٢٠١٩
ليا عادل- دمشق

في اليوم الرابع لزيارته الرسمية السلامية إلى كنيسة أنطاكية، زار صاحب القداسة إيريناوس بطريرك الصرب برفقة أخيه صاحب الغبطة يوحنا العاشر الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام، ووفدي الكنيستين، دير سيدة بلمانا - ريف طرطوس.
وسط استقبال شعبي وكنسي، إنشاد التراتيل، قرع الأجراس، حملة الأعلام الكنسية، استقبل راعي أبرشية اللاذقية وتوابعها سيادة المتروبوليت أثناسيوس (فهد)، ترافقه رئيسة الدير قدس الأم مكرينا الجزيلة البر، وعضو مجلس الشعب السوري، السيد المهندس إسكندر لوقا حداد، ومحافظ مدينة طرطوس، السيد المحامي صفوان أبو سعدى، والقائم بأعمال السفارة الصربية في سورية، سعادة السفير ميلان فياتوفيتش، ومديري المنطقة والناحية، والٱباء الكهنة الأجلاء، وقائد شرطة طرطوس، وجمهور كبير من المؤمنين، صاحب القداسة البطريرك إيريناوس وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام.

بعد ذلك، دخل صاحب القداسة البطريرك إيريناوس وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر إلى كنيسة الدير، وأقاما صلاة الشكر على نية كنيستيهما والسلام والأمن لسورية وكل الشعوب المتألمة.

ألقى سيادة المطران أثناسيوس (فهد) كلمة قال فيها:
"أرحب بكم يا صاحب القداسة، وبالوفد المرافق لكم، ترحيبا قلبيا عابقا بمحبة المسيح. أعبر لكم عن فرحنا الكبير بزيارتكم هذه الأبرشية في كرسينا الرسولي الأنطاكي. لقد عانقت اللاذقية المسيحية منذ العهد الرسولي في القرن الأول الميلادي. كان أول أسقف عليها الرسول لوفيوس أحد الرسل السبعين، الذي كان من رفاق القديس بولس الرسول، حيث ذكره في رسالته إلى أهل رومية".

تابع سيادته: "إن كنيسة اللاذقية، يا صاحب القداسة، تبوأت مركزا هاما في القرون الأولى للمسيحية، حيث شارك أساقفتها في المجامع المسكونية، ولعبوا دورا أساسيا في المباحثات اللاهوتية. كما قدمت هذه الكنيسة الضاربة في التاريخ عددا كبيرا من الشهداء خلال فترة الاضطهادات المريرة. أما في القرون اللاحقة، وعلى الرغم من كل الأزمات والحروب والضيقات، التي مرت بها هذه المنطقة، لا يزال شعبنا المؤمن يحمل صليب القيامة، مناديا في أرجاء العالم كله أن "المسيح قام حقا قام". مع الحرب الأخيرة، التي حلت ويلاها على بلادنا، وأرخت بظل مٱسيها على كل أطياف شعبنا، لم يسلم أبناؤنا في هذه الأبرشية من نتائج هذه الحرب، بل عانوا مرارة التهجير والخطف والقتل والتدمير. حتى يومنا هذا، ترزح سبع رعايا من القرى المسيحية في أطراف الأبرشية تحت وطأة الإرهاب. إلا أن شمعة الإيمان، كانت وستبقى مضيئة ومشعة في حياة وقلوب جميع المؤمنين والمقيمين على شواطىء ووديان وسهول وجبال هذه الأبرشية المحروسة بالله".

أضاف: "إننا نطلب من قداستكم أن تذكروا في صلاتكم على الدوام أخانا المطران بولس (يازجي) متروبوليت حلب الذي خطف مع أخيه المطران يوحنا(ابراهيم). المطران بولس ولد وترعرع ودرس وخدم كإكليريكي في هذه الأبرشية، وله فضل وتعب على أبنائها. هو حاضر دوما في وجدان المؤمنين وأدعيتهم. تباركون أبرشيتنا بحضوركم اليوم في هذا الدير العامر المقدس، الذي أحيا في هذه المنطقة روح التأمل والنسك العابق ببخور الصلوات والأصوام والأسهار والفضائل. إن ما حصل في التاريخ من ويلات الحروب القاسية، إضافة إلى غضب الطبيعة والزلازل المدمرة أيضا، أطاح وأزال معظم الكنائس والمناسك والأديار التي ازدهرت وامتلأت بها هذه الربوع. إلا أن الله أفاض على أبرشيتنا قيامة حية، إذ أفاقت من سبتها وعادت الحياة الرهبانية من جديد، مستندة على أصول وقواعد النسك الإنجيلي، وولدت عائلة روحية من أبوين روحيين جليلين، متمرسين في حب الله والإنسان؛ أعني بهما الأب الروحي لهذه العائلة صاحب الغبطة مولانا يوحنا العاشر، ومعه قدس الأم مكرينا رئيسة هذا الدير المقدس. هذه الولادة القيامية ما كانت لتتم إلا ببركة وصلوات عراب هذا الدير، سلفي المثلث الرحمة المطران يوحنا( منصور) الذي دفن جسده في تراب هذا الدير الشريف".

ختم: "نعم، يا صاحب القداسة، إلى الأم مكرينا وإلى صاحب الغبطة يوحنا يعو د كل الفضل في تأسيس وقيام هذا الدير المقدس. فقبل مدة، لا تتجاوز العقود الأربعة، كان هذا المكان قاحلا من الشجر والحجر والبشر. إلا أنه بواسطة صلوات كثيرة مستمرة، وأتعاب ثمينة، لا تقدر، ونعمة حضور الفائقة القداسة والدة الإله، صار فردوسا روحيا، ومنارة حية للتقليد الرهباني المشرقي، وملجأ لكل متألم ومحتاج، ولكل من يلتمس قبسا من الملكوت، كي يهدأ الفكر ويرتاح القلب من ٱلام هذه الحياة.
لذلك، باسم الأخوات الراهبات جميعهن، تقدم قدس الأم مكرينا لكم، وللوفد المرافق، هدايا مشغولة بأيدي الأخوات الراهبات، ومحملة بصلواتهن، راجين أن يحفظكم الرب الإله بحماية والدة الإله شفيعة هذا الدير المقدس".

بدوره، رد قداسته بكلمة جوابية جاء فيها:
"أشكركم على كلماتكم الطيبة والمؤثرة التي هزت مشاعرنا ودخلت إلى قلوبنا. زيارتنا إلى هذا الدير الشريف زيارة بركة وأمل، لا سيما أننا زرنا أماكن متنوعة في دمشق وريفها على خطى بولس الرسول".
تابع قداسته: "إن أرضكم مقدسة وتعتبر مفخرة للعالم الأرثوذكسي أينما كان. نحن وإياكم عشنا أزمات وحروب صعبة وحملنا صليب المسيح الذي أعطانا إياه الرب وهو صليب الخلاص. بالتالي إن ما رأيناه وشاهدناه لم يسبق لنا أن رأيناه أو لمسناه من قبل. نحن نشارككم ٱلامكم كل يوم، ونتابع الأحداث الدائرة في بلدكم، لكن ثقوا أن الله لن يتركنا وسيعطينا السلام".
وأضاف :"نصلي كي يعطي الرب السلام لكل الأشخاص الذين يعملون على تدمير البلدان، ونصلي أيضا من أجل الأعداء، ونصلي من أجل أن يزرع الرب سلامه في القلوب والنفوس".
وأعرب قداسته عن فرحه لقائه سيادة رئيس الجمهورية العربية السورية، السيد الدكتور بشار الأسد، وما أثمر هذا اللقاء من نتائج روحية سلامية.
ختم كلمته:"إن الرهبنة هي القوة والمحبة للكنيسة".
بعد ذلك، قدم قداسته أنغولبيون لصاحب السيادة المتروبوليت أثناسيوس (فهد)، وأيقونة القديس سابا الصربي لقدس الأم مكرينا.
في الختام، قدمت مجموعة من الطلاب باقة من التراتيل والأناشيد، ترحيبا بالضيف الكبير.
ثم، انتقل الجميع إلى صالون الدير، والتمس الشعب المؤمن بركته الأبوية.
من دير سيدة بلمانا - ريف طرطوس، توجه موكب صاحب القداسة البطريرك إيريناوس وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر إلى منطقة وادي النصارى التي زينتها العبارة التالية: "هذان هما ابنا المسحة الواقفان عند رب الأرض كلها".
لم تكتف منطقة وادي النصارى بنشر اللافتات المرحبة والمهللة للٱتي باسم الرب، ولا بالصور العملاقة لصاحبا القداسة والغبطة، بل ازدانت شرفات المنازل بالعبارت والأقوال الترحيبية، ونصبت أقواس النصر، وفرشت الأرض بالسجاد الأحمر، حتى بدت الطريق المؤدية إلى قرى، عناز، الحواش، مشفى الحصن البطريركي، عين العجوز أشبه بعرس سماوي، تعانقت فيه الأرض والسماء.
في كل قرية من هذه القرى، كانت لقداسته وقفة، حيث أعد له أبناء رعايا هذه القرى استقبالات مهيبة، فاستقبلوه بالترحاب والتهليل، وعزف فرق الكشافة، ونثر الورود والأرز، وإنشاد تراتيل، والهدايا التذكارية. جميعها أكدت أن الإنسان السوري قد نفض عنه غبار ركام الألم والصعاب.
إذ ما بين قاعة الشهداء في عناز وكنيسة النبي الياس في الحواش، مرورا بمشفى الحصن البطريركي، وصولا إلى قرية عين العجوز، حكاية إيمان جسدتها الكنيستان الأنطاكية والصربية الأرثوذكسية.
مع وصولهما إلى دير القديس جاوجيوس الحميراء، تلألأ وادي النصارى بالروحانية الفياضة لصاحبي القداسة والغبطة، وتجددت شعلة الإيمان، اذا يشهد هذا الدير البطريركي على عراقة الإيمان والتاريخ.
على وقع قرع الأجراس، وحملة الصلبان والأعلام الكنسية والصور العملاقة لصاحب القداسة إيريناوس بطريرك الصرب، وصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، وبحضور جمهور كبير من المؤمنين، الذين وفدوا من رعايا وادي النصارى، دخل صاحبا القداسة والغبطة إلى كنيسة الدير وسط لوحة كنسية، سطرها حضور السادة المطارنة والأساقفة والٱباء الكهنة الأجلاء في القسم اللبناني والسوري من أبرشية عكار الأرثوذكسية، وعدد من الٱباء الكهنة من أبرشية اللاذقية وتوابعها. أقيمت صلاة الشكر بحضور سيادة محافظ حمص، السيد طلال البرازي، والقائم بأعمال السفارة الصربية في دمشق، السيد ميلان فياتوفيتش، وفعاليات منطقة وادي النصارى.
ألقى رئيس دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي قدس الأرشمندريت أرسانيوس دحدل كلمة قال فيها:
"نرحب بكم أجمل ترحيب في هذا الدير الذي يجمع في حناياه أريج وعطر التاريخ برونق وجمال الحاضر، ويتألق اليوم، ويزداد بركة بحضوركم. يزين هذا الدير العريق، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ما بين القرنين الرابع والسادس، هذه المنطقة، مما جعل من وادي النصارى لؤلؤة يفوق جمالها الوصف؛ فهو القلب النابض الذي يجمع بمحبته كل أطياف المجتمع السوري."
وتابع: "يعود فضل عودة الحياة الرهبانية في هذا الدير إلى صاحب الغبطة البطريرك يوحنا، الذي ترأس هذا الدير لمدة 13 عاما، قبل أن يصبح متروبوليتا على أوروبا. إن هذا الدير كان، وما زال، ملجأ تعزية للكثيرين ولكل المتعبين بسبب هموم الحياة، خاصة في الأزمة التي ألمت ببلدنا الحبيب. كان يستقبل ويحتضن الكثيرين ممن اضطروا على مغادرة منازلهم نتيجة الحرب. اليوم، قدومكم يا صاحب القداسة من صربيا، أرض الشهداء والقديسين، إلى ديرنا، وإلى هذه المنطقة بالذات، إنما هو رسالة سلام، ودعم وتثبيت لكل أبنائنا في هذا البلد الحبيب".
وختم: "اسمحوا لي أن أقدم لكم (أنغولبيون) للعذراء، نقشنا عليها اسم ديرنا، ليكون قريبا من قلبكم الكبير، لكي تحملونا في صلاتكم وتحملوا سورية الجريحة، فتستمطر رحمة الخالق الحنون، ويحل من جديد في سورية الأمن والسلام. كما نقدم لكم درع الشهيد العظيم جاورجيوس، كي يحمي صربيا وسورية".
بدوره، رد قداسته بكلمة جوابية شاكرا وقائلا:
"نحن لا نعلم إذا كنا نعيش في حلم أم حقيقة. فزيارتنا إليكم تحمل إلينا بركة ونعمة كبيرتين، لأن ما رأيناه وما شاهدناه من استقبالات شعبية، يجعل الإنسان يعيش في كنف فسيسفساء روحية لا مثيل لها. منذ لحظة وصولنا، شعرنا أننا في بلد القديسين، وتأثرنا كثيرا، عندما رأينا الكنائس والأديرة المدمرة. هذا يجب أن يشجعنا على التمسك بإيماننا، ويشجعكم أكثر على التمسك بأرضكم. نحن إلى جانبكم، لأننا عشنا المصير نفسه".
تابع قداسته: "اسمحوا لي أن أشكر الدولة السورية رئيسا وقيادة وشعبا لوقوفهم وتضامنهم معنا في قضية كوسوفو. هذا يدل أن العلاقة بين الدولتين علاقة صداقة وأخوة".
في ختام كلمته، قدم قداسته لرئيس الدير أيقونة القديس سابا الصربي.
ثم، انتقل الجميع إلى صالون الدير، والتمس الشعب المؤمن بركة قداسته الأبوية.