أبونا الجليل في القديسين غريغوريوس أسقف نيصص



01-10

طروبارية‭ ‬باللحن‭ ‬الرابع

يا‭ ‬إله‭ ‬آبائنا‭ ‬الصانع‭ ‬معنا‭ ‬دائمًا‭ ‬بحسب‭ ‬وداعتك،‭ ‬لا‭ ‬تُبعد‭ ‬عنا‭ ‬رحمتك،‭ ‬بل‭ ‬بتضرّعاتهم‭ ‬دبّر‭ ‬بالسلامة‭ ‬حياتنا‭.‬

قنداق‭ ‬باللحن‭ ‬الثاني

إن‭ ‬رئيس‭ ‬كهنة‭ ‬البيعة‭ ‬الإلهي،‭ ‬ومسارّ‭ ‬الحكمة‭ ‬الموقرَّة‭ ‬المختار،‭ ‬ذا‭ ‬العقل‭ ‬الساهر‭ ‬غريغوريوس‭ ‬الراتع‭ ‬مع‭ ‬الملائكة‭ ‬والمتنعم‭ ‬بالنور‭ ‬الإلهي،‭ ‬يتشفع‭ ‬بغير‭ ‬فتور‭ ‬من‭ ‬أجلنا‭ ‬جميعًا‭.‬

 

ولادته‭ ‬ونشأته‭:‬

هو‭ ‬الابن‭ ‬الرابع‭ ‬لباسيليوس‭ ‬الشيخ‭ ‬وإميليا‭ ‬القديسين‭ ‬وأخ‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬القدّيسين‭ ‬باسيليوس‭ ‬الكبير (١ كانون‭ ‬الثاني)،‭ ‬والبارة‭ ‬مكرينا، (١٩ تموز)‏، ‭‬‏وبطرس‭ ‬السبسطي (‭‬٩ ‭‬‏كانون الثاني). ‬

أصغر‭ ‬من‭ ‬أخيه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬بسنوات‭ ‬قليلة‭. ‬لذلك‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬ولد‭ ‬سنة ‭ م‬٣٣١‬‏على‭ ‬وجه‭ ‬التقريب،‭ ‬وقيل‭ ‬أيضًا‭ ‬سنة٣٣٥م.

نشأ‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬في‭ ‬عائلة‭ ‬مسيحيّة‭ ‬عرفت‭ ‬بالتقوى‭ ‬والقداسة،‭ ‬أعدّته‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافره‭ ‬للحياة‭ ‬الإكليريكيّة‭. ‬

ترعّرع‭ ‬في‭ ‬قيصريّة‭ ‬الكبادوك،‭ ‬وأحب‭ ‬الهدوء‭ ‬والوحدة‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭. ‬لم‭ ‬يتنقّل‭ ‬بين‭ ‬المدارس‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬زمانه‭ ‬كأخيه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬بل‭ ‬فضّل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬قيصرية‭ ‬كبادوكيا‭ ‬ليدرس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أبيه‭ ‬باسيليوس‭ ‬الشيخ،‭ ‬فانكبَّ‭ ‬على‭ ‬مكتبتِهِ،‭ ‬وتعمّق‭ ‬بالفلسفة‭ ‬بشغف‭ ‬وإمعان‭.‬

لم‭ ‬تستهوِهِ‭ ‬نزعة‭ ‬أمه‭ ‬ولا‭ ‬شغفها‭ ‬بالمسيحيّة‭. ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬مقبلاً‭ ‬على‭ ‬الكنيسة،‭ ‬ولكنّه‭ ‬كان‭ ‬يتأفف‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬من‭ ‬الصلوات‭ ‬الطويلة‭ ‬والتلاوات‭ ‬المزموريّة‭ ‬التي‭ ‬تدوم‭ ‬الليل‭ ‬بطوله‭.‬

 

القدّيس غريغوريوس و‬الأربعون‭ ‬شهيدًا‭:‬

مرّة،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬اضطر،‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬والدته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعشق‭ ‬الصلوات‭ ‬والسهرانيّات،‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬سهرانيّة‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬للعائلة‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬الأربعين‭ ‬شهيدًا،‭ ‬كان‭ ‬سيجري‭ ‬نقل‭ ‬بعض‭ ‬رفات‭ ‬الشهداء‭ ‬إليها‭.‬

وصل‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬غاضبًا‭ ‬لأنّه‭ ‬ترك‭ ‬أصدقائه،‭ ‬وبدأ‭ ‬يُبدي‭ ‬تضجّرًا‭ ‬من‭ ‬الصلوات‭ ‬ويتأفّف‭ ‬من‭ ‬طولها‭ ‬ويتمتم‭ ‬بكلماتٍ‭ ‬أزعجت‭ ‬الحاضرين‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وانتهي‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬بأنّه‭ ‬تسلّل‭ ‬خارج‭ ‬الكنيسة‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬مجاورة‭ ‬وخلد‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬وهو‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬ويتأمّل‭ ‬النجوم‭ .‬وهناك‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬بانتظاره‭.‬

أتاه‭ ‬حلم‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬نومه‭ ‬بدا‭ ‬له‭ ‬خلاله‭ ‬كأنّه‭ ‬في‭ ‬صحو،‭ ‬وقد‭ ‬شعر‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬برغبةٍ‭ ‬جامحةٍ‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬والاشتراك‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬الدائرة‭ ‬فيها‭. ‬فلما‭ ‬همّ‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬وكل‭ ‬ّذلك‭ ‬في‭ ‬الحلم،‭ ‬إذ‭ ‬بأربعين‭ ‬شهيدًا‭ ‬مسلّحين‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬ويتهدّدونه،‭ ‬وكادوا‭ ‬أن‭ ‬يسحقوه‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يرأف‭ ‬به‭ ‬أحدهم‭.

بدى‭ ‬الحلم‭ ‬كأنّه‭ ‬حيًّا‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬استفاق‭ ‬منه‭ ‬وهو‭ ‬يبكي‭. ‬فهمّ‭ ‬مسرعًا‭ ‬ودخل‭ ‬الكنيسة‭ ‬مستسمحًا‭ ‬ربّه‭ ‬والشهداء‭ ‬القدّيسين‭ ‬الأربعين.

وقد‭ ‬كتب‭ ‬لاحقًا‭ ‬وعظتين‭ ‬رائعتين‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬القدّيسين‭ ‬الأربعين‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬سبسطية‭) ‬يُعيّد‭ ‬لهم‭ ‬في ٩ ‬أذار)‭ ،‬ألقاهما‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬شيّدت‭ ‬على‭ ‬اسمهم،‭ ‬وعند‭ ‬وفاة‭ ‬والديه‭ ‬قام‭ ‬بدفنهما‭ ‬قرب‭ ‬ذخائر‭ ‬هؤلاء‭ ‬المعترفين‭ ‬القدّيسين.

هذه‭ ‬كانت‭ ‬أولى‭ ‬الصدمات الإيجابيّة ‬التي‭ ‬تلقّاها‭ ‬في‭ ‬شبابه‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬عددًا‭ ‬منها سيكون‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭.‬

 

شغفه‭ ‬بالبلاغة‭:

ظلّت‭ ‬البلاغة‭ ‬وعلم‭ ‬الخطابة‭ ‬شفغه‭ ‬الأوَّل‭. ‬رُسم‭ ‬قارئًا‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬لكنّه‭ ‬بات‭ ‬يغوص‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬البلاغة‭ ‬فصار‭ ‬معلماً‭ ‬لها،‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬خطى‭ ‬أبيه‭. ‬وكان‭ ‬هذا،‭ ‬فيما‭ ‬يبدو،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مسيحيّته‭ ‬وخدمته‭ ‬كقارئ‭ ‬لأن‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬جعل‭ ‬نفسه‭ ‬فيها‭ ‬كانت‭ ‬أدنى‭ ‬إلى‭ ‬الوثنية‭.‬‭ ‬

فمكان‭ ‬من‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬اللاهوتي،‭ ‬صديقه‭ ‬وصديق‭ ‬أخيه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس،‭ ‬أن‭ ‬بعث‭ ‬إليه‭ ‬لائمًا‭ ‬وداعيًا‭ ‬إياه‭ ‬لأن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬صوابه،‭ ‬كاتبًا‭:‬‮«‬إذن،‭ ‬أنت‭ ‬مصمّم‭ ‬أن‭ ‬تدعى‭ ‬بليغًا‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تُدعى‭ ‬مسيحيًّا‭... ‬فيا‭ ‬صاحبي،‭ ‬لا‭ ‬تقم‭ ‬طويلاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬اصح‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭! ‬عد‭ ‬إلى‭ ‬نفسك‭ ‬واسأل‭ ‬الصفح‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والمؤمنين‮»‬‭. ‬

ومع‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬تمامًا‭ ‬كم‭ ‬دامت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬أقلع‭ ‬عما‭ ‬عزم‭ ‬عليه‭ ‬انتصاحًا‭ ‬بما‭ ‬أتاه‭ ‬من‭ ‬صديقه‭.‬‭

زواجه‭:

هذا،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬أيضًا،‭ ‬تزوّج‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬من‭ ‬فتاةٍ‭ ‬ذات‭ ‬ثقافة‭ ‬دينية‭ ‬مميّزة‭ ‬أحبّها‭ ‬جدًا‭ ‬اسمها‭ ‬ثيوزيبا،‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬زواجه‭ ‬وزوجته،‭ ‬ولكن‭ ‬ثمّة‭ ‬عبارة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬أصبحت‭ ‬روحيّة‭ ‬فقط،‭ ‬وربما‭ ‬توفيت‭ ‬قبل‭ ‬سيامته‭ ‬أسقفًا‭.‬

وجه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬اللاهوتي‭ ‬في‭ ‬مماتها‭ ‬رسالة‭ ‬تعزية‭ ‬إلى‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬النيصصي‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬أنّه‭ ‬رأى‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬مجد‭ ‬الكنيسة‭ ‬وزينة‭ ‬المسيح‭ ‬ومعينة‭ ‬جيلنا‭ ‬ورجاء‭ ‬النسوية‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬الأخوات‭ ‬جمالاً‮»‬‭. ‬كما‭ ‬اعتبرها‭ ‬‮«‬قدّيسة‭ ‬وزوجة‭ ‬كاهن‭ ‬حقّانية‮»‬‭.‬

 

بساطة‭ ‬عقل‭ ‬كاملة‭:

سنوات‭ ‬شباب‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬مرّت‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬حلم‭ ‬‏اليقظة،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬إعداده‭ ‬لنفسه،‭ ‬باعتبار‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬نعرف‭ ‬أنّها‭ ‬كانت‭ ‬بانتظاره،‭ ‬كان‭ ‬بطيئًا‭ ‬ومتعثّرًا‭. ‬التعثّر‭ ‬والنقص‭ ‬في‭ ‬اللباقة‭ ‬لديه‭ ‬أسماهما‭ ‬القدّّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬الكبير‭ ‬‮«‬بساطة‭ ‬عقل‭ ‬كاملة‮»‬.

ثلاث‭ ‬رسائل‭ ‬مزوّرة‭:‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬غريغوريوس‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يُتوقّع‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمور‭ ‬كما‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬الآخرون‭. ‬فلقد‭ ‬زوّر‭ ‬مرّة‭ ‬ثلاث‭ ‬رسائل‭ ‬سلاميّة‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬أخيه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬مُدعيًّا‭ ‬أنّها‭ ‬من‭ ‬عم‭ ‬له‭ ‬أسقف‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬معه‭.‬

فلمّا‭ ‬اكتشف‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬تزويرًا‭ ‬بدا‭ ‬محرجًا،‭ ‬وغضب‭ ‬على‭ ‬أخيه،‭ ‬ثم‭ ‬أرسل‭ ‬يقول‭ ‬له: «‬أرجوك‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬أن‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬نفسك‭ ‬وتعفيني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الألاعيب‭! ‬أكلّمك‭ ‬بصراحة‭! ‬لأنّك‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تتعاطى‭ ‬القضايا‭ ‬الكبيرة‮».

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬أسف‭ ‬عما‭ ‬ارتكبه،‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬بين‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬وعمّه‭ ‬سخيفة‭ ‬ولا‭ ‬تستوجب‭ ‬القطيعة،‭ ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬هو،‭ ‬من‭ ‬ناحيته،‭ ‬لم‭ ‬يتعدّ‭ ‬كونه‭ ‬محاولة‭ ‬للجمع‭ ‬بينهما‭.‬


حياته‭ ‬الرهبانية‭:‬

ثمّة‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬دعاه‭ ‬إلى‭ ‬منسكه‭ ‬في‭ ‬إيبورا‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬الإيريس‭ ‬في‭ ‬كبادوكيا.‭ ‬بعض‭ ‬الدارسين‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لبّى‭ ‬الدعوة‭ ‬والبعض‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬البتّة،‭ ‬ولكنّه‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين،‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬رهبنة‭ ‬وهدوئية‭ ‬كاملة‭ ‬ربمّا‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬تأسيسه‭ ‬عائلته‭.‬


القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬أسقفًا‭:‬

كان‭ ‬يمكن‭ ‬للقدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬النسكيّة‭ ‬والهدوئيّة‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يطرأ‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أخاه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬يرسمه‭ ‬أسقفًا‭ ‬عنوةً‭ ‬عنه‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬صغيرة‭ ‬تُدعى‭ ‬نيصص‭ ‬تبعد‭ ‬عشرة‭ ‬أميال‭ ‬عن‭ ‬قيصريّة‭ ‬الكبادوك‭ ‬لجهة‭ ‬الشرق‭. ‬

القدّيس‭ ‬غريغوريوس،‭ ‬من‭ ‬ناحيته،‭ ‬استاء‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬بادرة‭ ‬أخيه،‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إن‭ ‬يوم‭ ‬رسامته‭ ‬أسقفًا‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬أيامه‭ ‬شقاء،‭ ‬ولكنّه‭ ‬رضخ‭ ‬للمشيئة‭ ‬الإلهيّة،‭ ‬وقد‭ ‬تبيّن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المجريات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬لاحقًا‭ ‬والدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الإيمان‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬كان‭ ‬فعلًا‭ ‬مطابقًا‭ ‬للمشيئة‭ ‬الإلهيّة‭.‬

فلقد‭ ‬دخل‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الآريوسي‭ ‬والنس‭ ‬الذي‭ ‬شطر‭ ‬أبرشية‭ ‬قيصريّة‭ ‬إلى‭ ‬شطرين،‭ ‬وجعل‭ ‬على‭ ‬القسم‭ ‬الكبير‭ ‬منها‭ ‬رجلاً‭ ‬من‭ ‬محازبيه‭ ‬اسمه‭ ‬أنثيموس،‭ ‬مقرّه‭ ‬في‭ ‬تيانا.

فعمد‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬أسقفيّات‭ ‬جديدة،‭ ‬ولو‭ ‬صغيرة،‭ ‬وجعل‭ ‬عليها‭ ‬أساقفة‭ ‬من‭ ‬أتباعه‭.‬

القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬وقع‭ ‬عليهم‭ ‬وزر‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭.‬

طبعًا‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬يعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬أخاه‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬لرعاية‭ ‬شعب‭. ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬عشرة‭ ‬الناس‭ ‬ويكره‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬الأوامر‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬مناورات‭ ‬السياسة‭ ‬الكنسية‭ ‬شيئًا‭. ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬كلّه‭ ‬جعله‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬أسقفًا‭ ‬على‭ ‬نيصص‭.‬

كان‭ ‬يكفيه،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬الحرجة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الأرثوذكسيّة‭ ‬والآريوسيّة،‭ ‬أن‭ ‬أخاه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬على‭ ‬استقامة‭ ‬الإيمان‭ ‬وله‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والحجّة‭ ‬والبيان‭ ‬ما‭ ‬يؤهّله‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬العقيدة‭.‬


القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬في‭ ‬الأسقفيّة‭:‬

لقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحًا‭ ‬أن‭ ‬المعضلات‭ ‬الرعائّيّة‭ ‬لم‭ ‬توافق‭ ‬طبعه‭ ‬وشخصيّته‭ ‬الهدوئيّة‭ ‬جدًا،‭ ‬فبدا‭ ‬وكأنّه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬المؤهّلات‭ ‬الكافية‭ ‬للأعمال‭ ‬الإدارية،‭ ‬وكان‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬يشكو‭ ‬في‭ ‬رسائله‭ ‬من‭ ‬سذاجته‭ ‬وعدم‭ ‬خبرته‭ ‬الكليّة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الإدارة‭ ‬الكنسّية‭.‬

وصحيح‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬مختلف‭ ‬الطباع‭ ‬والشخصية‭ ‬عن‭ ‬شقيقه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬مواهب‭ ‬فذّة‭ ‬لا‭ ‬نجدها‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة. فيما‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬رجل‭ ‬عمل‭ ‬وتنظيم‭ ‬وإقدام،‭ ‬كان‭ ‬غريغوريوس‭ ‬رجل‭ ‬تأمّل‭ ‬وهدوء.‭‬ أتّهم‭ ‬بالانطوائيّة.‭  ‬صوت‭ ‬أخيه‭ ‬كان‭ ‬يملأ‭ ‬المكان‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬صوت‭ ‬إلّا‭ ‬عبر‭ ‬أخيه‭ ‬طالما‭ ‬بقي‭ ‬أخوه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬

كان‭ ‬يميل‭ ‬جدًا‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬وكان‭ ‬يتمتّع‭ ‬بنظرة‭ ‬إيجابيّة‭ ‬تجاه‭ ‬الناس‭ ‬مهما‭ ‬إختلف‭ ‬طباعهم‭ ‬وتصرّفهم‭.‬

 

سجن‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬والإطاحة‭ ‬به‭:‬

‏لم‭ ‬تكن‭ ‬للقدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬أيّة‭ ‬معرفة‭ ‬بالسلوك‭ ‬البشري‭. ‬اللباقة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬كانت‭ ‬تنقصه،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬أيّة‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬المالية‭ ‬وكيفيّة‭ ‬معالجتها‭. ‬

لذلك‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أعداؤه‭ ‬من‭ ‬الآريوسيين‭ ‬أن‭ ‬وجّهوا‭ ‬إليه‭ ‬اتّهامات‭ ‬تتعلّق‭ ‬باستعمال‭ ‬أموال‭ ‬أسقفيته‭ ‬وتحويّلها‭ ‬لمصلحته. ‬وقد‭ ‬أدين،‭ ‬ووضع‭ ‬الحرس‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬الأصفاد‭ ‬في‭ ‬يديه‭ .‬لكنّه‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬الإفلات‭ ‬واختبأ‭ ‬لدى‭ ‬بعض‏أ صحابه‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء،‭ ‬أطاح‭ ‬به‭ ‬مجمع‭ ‬ضمّ‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأساقفة‭ ‬الآريوسيين،‭ ‬وقد‭ ‬توارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬وفاة‭ ‬فالنس‭ ‬الإمبراطور.

حبّه‭ ‬كبير‭ ‬للناس‭ ‬وحب‭ ‬الناس‭ ‬له‭:‬

استهواه‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬شيءٌ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نيصص‭. ‬فقد‭ ‬تعلَّق‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬تعلقاً‭ ‬كبيراً‭ ‬وأحب‭ ‬هو‭ ‬بيته‭ ‬الصغير‭ ‬فيها‭ ‬حبَّاً‭ ‬جمَّاً‭ .‬وقد‭ ‬أبدىَ‭ ‬غيرةً‭ ‬على‭ ‬شعبه‭ ‬وإخلاصاً.‭  ‬وكان‭ ‬يقوم‭ ‬بواجباته‭ ‬ويقضي‭ ‬أيَّامه‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬مع‭ ‬ربّه‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬وشكر‭.‬

ذكر،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬رسائله،‭ ‬أنّه‭ ‬فضّل‭ ‬حالة‭ ‬الكسوف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬على‭ ‬التحلّي‭ ‬بأثواب‭ ‬الأسقفية.

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نيصص‭ ‬استهواه. تعلّق‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬تعلّقًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬وأحب‭ ‬هو‭ ‬بيته‭ ‬الصغير‭ ‬فيها‭ ‬حبًا‭ ‬جمًّا‭.‬

أوَّل‭ ‬ما‭ ‬دخلها‭ ‬اعتبر‭ ‬أنّه‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬واعتبر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رحمة‭. ‬لكنّه‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬غيّر‭ ‬رأيه‭ ‬فيهم‭. ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬غيرة‭ ‬على‭ ‬شعبه‭ ‬وإخلاصًا.

كما‭ ‬ذكر‭ ‬أنّه‭ ‬عرف‭ ‬أن‭ ‬يخاطب‭ ‬الناس‭ ‬ويعظهم‭ ‬بلغّة‭ ‬يفهمونها.

ما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬عزوفه‭ ‬عن‭ ‬خلطة‭ ‬الناس‭ ‬وقلّة‭ ‬اعتباره‭ ‬لهم‭ ‬لم‭ ‬يبدو،‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬صحيحًا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقعًّا‭. ‬التحديّات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬حقيقة‭ ‬استعداداته‭.‬

 

وضربت‭ ‬الصاعقة‭ : ‬رقد‭ ‬القديس‭ ‬باسيليوس‭! ‬

بقي‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬نفسه،‭ ‬بعد‭ ‬رقاد‭ ‬أخاه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس ‬٣٧٩م،‭ ‬في‭ ‬الطليعة‭.

ما‭ ‬كان‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬يتظلّل‭ ‬به‭ ‬انتزح،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يتّكئ‭ ‬عليه‭ ‬ارتحل.‭  ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬قدّيسنا‭ ‬خياران‭: ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يكبر،‭ ‬ولكن‭ ‬بالآلام.‭  ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬كبر‭ ‬إلى‭ ‬قامة‭ ‬شهد‭ ‬له‭ ‬بها‭ ‬آباء‭ ‬زمانه‭ ‬والأزمنة‭ ‬اللاحقة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬


ولم‭ ‬تمض‭ ‬عليه‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬وفاة‭ ‬شقيقه‭ ‬حتى‭ ‬تلقّى‭ ‬صدمة‭ ‬أخرى‭ ‬بوفاة‭ ‬شقيقته‭ ‬مكرينا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يدعوها‭ ‬‮«‬معلّمته‭ ‬الروحيّة‮». ‬

فبات‭ ‬الوريث‭ ‬لاسم‭ ‬أخيه‭ ‬وشهرته‭ ‬وتركته‭ ‬اللاهوتية‭ ‬والروحيّة،‭ ‬وبات‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الهدوئيّة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬بركانٍ‭ ‬من‭ ‬الهرطقات‭ ‬والشذوذ‭ ‬والفوضى‭ ‬كنسيًّا‭ ‬وإكليريكيًّا‭ ‬وعالميًّا‭.‬

شق‭ ‬طريقه‭ ‬بنجاح‭ ‬وثبات‭ ‬متّكلًا‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬كحمل‭ ‬بين‭ ‬الذئاب‭.‬

 

نفيه‭:‬

كان‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الحاكم‭ ‬والنس‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الهرطقة‭ ‬الآريوسية‭ ‬فساندهم‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬مجمع‭ ‬محلّي‭ ‬سنة‭ ‬376‭ ‬أقال‭ ‬فيه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬التخلّي‭ ‬عن‭ ‬أبرشيته‭ ‬لحين‭ ‬موت‭ ‬الحاكم،‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬مدينته‭ ‬نيصص‭ ‬منتصرًا‭ ‬واستُقبل‭ ‬بحفاوة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وتابع‭ ‬عمله‭ ‬الرعائي‭ ‬بسلام‭.‬

 

حامي‭ ‬الأرثوذكسيَّة‭:

سنة٣٧٩‭ ‬م‭ ‬برز‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬المجمع‭ ‬المنعقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أنطاكية‭ ‬الملتئم‭ ‬لإنهاء‭ ‬مشكلة‭ ‬الانشقاق‭ ‬فيها‭. ‬تسلّطت‭ ‬الأضواء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجمع‭ ‬نظرًا‭ ‬لروحانيّته‭ ‬وموهبته‭ ‬الخطابية‭ ‬المميّزة،‭ ‬فنال‭ ‬ثقة‭ ‬المجمع‭ ‬وأُرسل‭ ‬بمهمة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬والعربية‭. ‬كذلك‭ ‬كلِّف‭ ‬القيام‭ ‬بجولة‭ ‬استطلاع‭ ‬على‭ ‬كنائس‭ ‬البنطس‭. ‬
سبسطيا‭ ‬الأرمنية‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أسقفها‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬باختيار‭ ‬أخيه‭ ‬بطرس‭ ‬أسقفًا‭ ‬عليها‭. ‬

في‭ ‬العام ٣٨٠‬م،‭ ‬أعلن‭ ‬الإمبراطور‭ ‬ثيودوسيوس‭ ‬أن‭ ‬المسيحيّة‭ ‬هي‭ ‬دين‭ ‬الإمبراطوريّة‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬مجمع‭ ‬في‭ ‬عاصمته‭ ‬في‭ ‬عام‭٣٨١‬م‭.‬

سنة ٣٨١م ‬اشترك‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬وصديقه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬اللاهوتي‭ ‬في‭ ‬المجمع‭ ‬المسكوني‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬القسطنطينية‭ ‬حيث‭ ‬حيّاه‭ ‬المجتمعون‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬عمود‭ ‬الأرثوذكسية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬ألقى‭ ‬الخطبة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬فيه،‭ ‬ثم‭ ‬بكى‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬وهو‭ ‬يلقي‭ ‬جنائزيته‭ ‬إثر‭ ‬وفاة‭ ‬القدّيس‭ ‬ملاتيوس‭ ‬الأنطاكي‭. ‬

نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬توفي‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس،‭ ‬وبرزت‭ ‬شخصيته‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬حيّز‭ ‬الوجود‭. ‬فمثّل‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬أثناء‭ ‬انعقاد‭ ‬المجمع‭ ‬وشعر‭ ‬الجميع‭ ‬بأنه‭ ‬وريث‭ ‬فكر‭ ‬أخيه‭ ‬الذي‭ ‬اختارته‭ ‬العناية‭ ‬الإلهية‭ ‬لكي‭ ‬تنتصر‭ ‬الحقيقة‭ ‬بواسطته‭.‬ 

لم‭ ‬يستكين‭ ‬الآريوسيّين‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬ينادون‭ ‬بعدم‭ ‬ألوهة‭ ‬الرّب‭ ‬يسوع،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬خسارتهم‭ ‬في‭ ‬المجمع‭ ‬المسكوني‭ ‬الأوًّل‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬في‭ ‬نيقية‭ ‬عام‭ ‬‮٣٢٥‬م،‭ ‬عادوا‭ ‬لينادوا‭ ‬بعدم‭ ‬ألوهة‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬فلقّبوا‭ ‬بمحاربي‭ ‬الروح‭.‬ 

وقد‭ ‬ذُكر‭ ‬أن‭ ‬القسم‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬الإيمان‭ ‬حول‭ ‬ألوهة‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬وهو‭ ‬المضاف‭ ‬إلى‭ ‬الوثيقة‭ ‬النيقاوية،‭ ‬من‭ ‬عمله‭.‬

كانت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القسطنطينية‭ ‬لقاءات‭ ‬والقدّيس‭ ‬ايرونيموس‭ ‬وأوليمبيا‭ ‬الشماسة‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬التصق‭ ‬اسمها‭ ‬باسم‭ ‬القدّيس‭ ‬يوحنا‭ ‬الذهبي‭ ‬الفم‭. ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المتملّكة‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلاً‭. ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬فيها‭ ‬كان‭ ‬يغيظه‭. ‬الصراعات‭ ‬اللاهوتيّة‭ ‬الكلاميّة‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الابتذال‭ ‬أخرجته‭ ‬منها‭ ‬غير‭ ‬آسف‭. ‬الخلافات‭ ‬العقائديّة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬كانت‭ ‬موضوع‭ ‬تندّر‭. ‬فلو‭ ‬سألت‭ ‬الخبّاز‭ ‬عن‭ ‬ثمن‭ ‬الرغيف‭ ‬لأجابك‭ ‬إن‭ ‬الابن‭ ‬هو‭ ‬دون‭ ‬الآب‭ ‬السماوي،‭ ‬ولو‭ ‬سألت‭ ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬الحمّام‭ ‬جاهزاً‭ ‬لأجابوك‭ ‬أن‭ ‬الابن‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬العدم‭.‬

‭ ‬أثناء‭ ‬مهامه‭ ‬الاستطلاعيّة‭ ‬لوضع‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬وبابل،‭ ‬عرّج‭ ‬على‭ ‬أورشليم‭ ‬فخيّبت‭ ‬آماله،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬لجحافل‭ ‬الحجّاج‭ ‬إليها‭. ‬كانوا‭ ‬قذرين‭ ‬وعاداتهم‭ ‬في‭ ‬الفنادق‭ ‬أحدثت‭ ‬له‭ ‬صدمة‭. ‬وجد‭ ‬أورشليم‭ ‬شديدة‭ ‬القذارة،‭ ‬زانية‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬مدينة‭ ‬أكثر‭ ‬ميلاً‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‭ ‬منها‭. ‬فلفظ‭ ‬حكمه‭ ‬عليها‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أتصوّر‭ ‬السيد‭ ‬عائشاً‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬اليوم‭ ‬فيها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬فيضاً‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬المكان‮»‬‭. ‬لم‭ ‬ينصح‭ ‬بزيارتها‭ ‬أو‭ ‬الحجّ‭ ‬إليها‭. ‬الخلود‭ ‬إلى‭ ‬سكون‭ ‬النفس‭ ‬خير‭ ‬منها‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬فصاحته‭ ‬نالت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إعجاب‭ ‬بلاط‭ ‬القسطنطينية،‭ ‬فنراه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سنة ٣٨٥م‭ ‬و٣٨٦م‭ ‬يلقي‭ ‬عظة‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬تأبين‭ ‬الأميرة‭ ‬بولكاريا،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬استدعي‭ ‬لوفاة‭ ‬الأمبراطورة‭ ‬فلاسيللأ‭ ‬زوجة‭ ‬ثيودوسيوس،‭ ‬فاستذوقت‭ ‬كلمته‭ ‬التأبينية‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية‭ ‬وذاعت‭ ‬شهرته‭ ‬وازداد‭ ‬نفوذه‭.‬ إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬كبريائه‭ ‬بل‭ ‬بقي‭ ‬متواضعًا‭ ‬مبتعدًا‭ ‬عن‭ ‬أمجاد‭ ‬الدنيا‭.‬

بعدئذ‭ ‬يُذكر‭ ‬اسمه‭ ‬سنة ‬٣٩٤م‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬ثانٍ‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬القسطنطينية‭ ‬ثم‭ ‬يتوارى‭ ‬ذكره‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭.‬

‭ ‬

صفاته‭ ‬وألقابُهُ‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬الكنيسة‭:‬

يُطلَق‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس‭ ‬والقدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬النازينزي‭ ‬لقب‭ ‬الآباء‭ ‬الكَبادوكيّين‭ ‬لأنّهم‭ ‬يتحدّرون‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الكَبادوك‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬تركيا‭.‬

يُعتبر‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬النيصصي‭ ‬أكثر‭ ‬الآباء‭ ‬تبحّرًا‭ ‬في‭ ‬فلسفات‭ ‬الأقدمين‭ ‬ونجاحًا‭ ‬في‭ ‬سوقها‭ ‬إلى‭ ‬طاعة‭ ‬المسيح،‭ ‬وكان‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬يماثله‭ ‬بذاك‭ ‬أوريجنس‭ ‬لولا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬شروده‭.‬

لقبّه‭ ‬آباء‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬زمانه‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬عمود‭ ‬الأرثوذكسية‮»‬‭ ‬واعتبروه‭ ‬خليفة‭ ‬القدّيسين‭ ‬أثناسيوس‭ ‬الكبير‭ ‬وباسيليوس‭ ‬الكبير‭. ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬آباء‭ ‬المجمع‭ ‬المسكوني‭ ‬السابع،‭ ‬بعد‭ ‬أربعمائة‭ ‬سنة‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬رقاده (٧٨٧م)‭ ‬،‭‬لقب‭ ‬‮«‬أب‭ ‬الآباء‮»‬‭.‬

كان‭ ‬يكفيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنسانًا،‭ ‬أن‭ ‬يتردّد‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬أن‭ ‬يسبّح‭ ‬الله،‭ ‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬الإلهي‭. ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مجمل‭ ‬البشريّة‭ ‬هي‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬والحق‭ ‬إنّه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬مثله‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬المقدّسة،‭ ‬مذ‭ ‬ذاك‭.‬

 

حبُّهُ‭ ‬للصَّلاة‭:‬

كان‭ ‬القديس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬يعلِّق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الصلاة‭ ‬أهميَّة‭ ‬قصوى‭. ‬

 - من‭ ‬أقوالِهِ‭ ‬فيها: "‬الصلاة‭ ‬هي‭ ‬بهجة‭ ‬الفرحين‭, ‬وتعزية‭ ‬المضنوكين،‭ ‬وتاج‭ ‬العروس‭ ،‬والعيد‭ ‬في‭ ‬أعياد‭ ‬الميلاد،‭ ‬والكفن‭ ‬الذي‭ ‬يلفُّنا‭ ‬في‭ ‬مثوانا‭ ‬الأخير‮"‬‭.‬

‭ - ‬أن‭ ‬يصلّي‭ ‬المرء،‭ ‬ألا‭ ‬يطلب‭ ‬شيئًا‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬أن‭ ‬يخدم‭ ‬ربّه،‭ ‬أن‭ ‬يجتنّب‭ ‬التجارب،‭ ‬أن‭ ‬يمسّ‭ ‬الأرض‭ ‬بخفّة‭ ‬بقدميه،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دائم‭ ‬الفرح،‭ ‬هو‭ ‬كلّ‭ ‬المشتهى‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس،‭ ‬وهل ل‬لإنسان‭ ‬أن‭ ‬يلتمس‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭!‬

 

مؤلفاتُهُ‭:‬

 ألّف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والتفاسير‭ ‬الكتابية‭ ‬والكتابات‭ ‬الروحيّة‭ ‬والمواعظ‭ ‬منها‭: ‬‮«‬في‭ ‬التعليم‭ ‬المسيحي‮»‬‭,‬‮»‬حياة‭ ‬موسى‮»‬‭, ‬‮«‬في‭ ‬صلاة‭ ‬الأبانا‮»‬‭, ‬‮«‬حياة‭ ‬مكرينا‮»‬‭, ‬‮«‬في‭ ‬نشيد‭ ‬الأنشاد‮»‬،‭ ‬‮«‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬المسيحية‮»‬‭, ‬‮«‬في‭ ‬التطوّيبات‮»‬‭.‬

‭- ‬ ‮‬حول‭ ‬العذريّة‮"‬‭: ‬كتب‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬شقيقه‭ ‬القدّيس‭ ‬باسيليوس،‭ ‬وهو‭ ‬أدنى‭ ‬إلى‭ ‬التأمّلات‭ ‬الفلسفية‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬المعيوش."

 ‬وقد‭ ‬أبرز‭ ‬فيه‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬أن‭ ‬المثال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الثاوريا،‭ ‬في‭ ‬تأمّل‭ ‬النفس‭ ‬لله‭ ‬بعدما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تجرّدت‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الهموم‭ ‬إلّا‭ ‬من‭ ‬محبّة‭ ‬الله‭. ‬لم‭ ‬يدافع‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬العزوبيّة‭ ‬لكنّه‭ ‬سلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المشاكل‭ ‬والهموم‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجيّة‭.‬

- ‬‮« ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلهة‮‬: "‬يشرح‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الآب‭ ‬أو‭ ‬الابن‭ ‬أو‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬إنما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬الاثنين‭ ‬الآخرين‭ ‬موضّحًا‭ ‬وحدة‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإلهية‭ ‬والمشيئة‭ ‬الإلهيّة‭ ‬الواحدة‭ ،‬وإلى‭ ‬عدم‭ ‬تعدّد‭ ‬الآلهة‭ ‬في‭ ‬المسيحية‭.‬

كما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬شرح‭ ‬وافٍ‭ ‬لتبيان‭ ‬ألوهة‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬ضد‭ ‬مكدونيوس‭ ‬الذي‭ ‬نكر‭ ‬ألوهة‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬واعتبره‭ ‬أحد‭ ‬الأرواح‭ ‬الخادمة،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الملائكة‭ ‬إلا‭ ‬بالرتبة،‭ ‬وإفنوميوس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجعل‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬ثالثًا‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬والمرتبة‭ ‬والطبيعة‭ ‬بعد‭ ‬الآب‭ ‬والابن‭.‬ 

‭ ‬‮- " خَلْق‭ ‬الإنسان‮"‬‭: ‬يعرض‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الله‭ ‬والإنسان،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬صورة‭ ‬الله،‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬الأول‭ ‬غير‭ ‬مخلوق‭ ‬والثاني‭ ‬مخلوق،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الأوَّل‭ ‬كائن‭ ‬بذاته ‭ ‬‮«‬يهوى‮‬،‭ ‬أما‭ ‬الثاني‭ ‬فيستمد‭ ‬وجوده‭ ‬من‭ ‬الأوًّل‭ ‬مخلوقًا‭ ‬من‭ ‬العدم‭".

وفي‭ ‬الكتاب‭ ‬عينه‭ ‬يتطرّق‭ ‬النيصصي‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬الشر،‭ ‬فيؤكّد‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬أخطأ‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬الحريّة‭ ‬التي‭ ‬جعلها‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬والتي‭ ‬ميّزه‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬المخلوقات‭ ‬غير‭ ‬العاقلة،‭ ‬فإرتكاب‭ ‬الخطيئة‭ ‬ووقع‭ ‬في‭ ‬الشر‭.

‭-‬ في‭ ‬شرحه‭ ‬الصلاة‭ ‬الربيّة‭ ‬يجعل‭ ‬القدّيس‭ ‬غريغوريوس‭ ‬النيصصيّ‭ ‬تماهيًا‭ ‬بين‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬والملكوت‭ ‬السماوي،‭ ‬فيقول‭ ‬أن‭ ‬الآية ‭ ‬‮"‬ليأتِ‭ ‬ملكوتك‮"، ‬‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القراءات‭ ‬‮ "‬ليأتِ‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬علينا‭ ‬ويطهّرنا‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬التماهي‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬المسيحي‭ ‬والتقليد.‭ ‬ولأن‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬حاضر‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكنيسة‭ ‬والمؤمنين‭, ‬فالملكوت‭ ‬ليس‭ ‬شيئا‭ ‬مستقبليا‭ ‬ننتظره‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حاضر‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الجماعة‭ ‬المسيحية‭.‬

 

رُقادُهُ‭:‬

توفي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬سنة ٣٩٥م


ملاحظة:‬‭ ‬

استقصى‭ ‬المؤرخون‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معلومات‭ ‬مبعثرة‭ ‬في‭ ‬كتاباته،‭ ‬ومن‭ ‬رسائل‭ ‬القدّيّس‭ ‬باسيليوس‭ ‬ومن‭ ‬وثائق‭ ‬تاريخية‭ ‬كنسيّة‭.‬